وأسأل الله تعالى أن يرزق الباحثين والدارسين ـ لا المقلدين ـ في تراث الإمام ابن جرير الطبري الشجاعة العلمية للإعلان عن منهج ذاك الإمام العلم الجبل الشامخ في أصول الدين، وعن معتقداته الثابتة الراسخة في تنزيه الله تعالى وسلامة إثباته للصفات من كل شائبة تشبيه أو تمثيل أو تجسيم.
فللأسف لم أقرأ إلى حد الآن دراسة جادة حول منهج الإمام الطبري في أصول الدين وما يترتب عليه من نتائج، فكل ما اطعلت عليه هو محاولات فاشلة تستند إلى التعتيم وإخفاء جملة من حقائق عقيدة ذاك الإمام لصفه في جانب فرقة دون أخرى.
وهذا ما دفعني لاستقراء جملة من كتب الإمام الطبري وأبرزها جامعه المبين، وتبصيره في معالم أصول الدين، واستخلصت النتائج في رسالة ضمت حوالي خمسين صفحة بينتُ فيها عقيدة ذلك الإمام الجبل الراسخ في العلم.
نعم، تلك النتائج البينة الواضحة التي ظهرت من خلال الجمع والاستقراء والتحليل لكلام الإمام الطبري قطعا لن تعجب من اعتاد التقليد أو ظهرت له الحقائق ولم تكن له الشجاعة الكافية لإعلانها، كيف وإعلانها بصراحة يستلزم إما التكذيب بها مع وضوحها، أو تهمة الإمام الطبري بالتجهم والزلل في العقيدة والاعتزال والتعطيل وغير ذلك من التهم التي تلصق بكل الذين هم على عقيدة الإمام الطبري من أهل السنة، وإن كانت مكانة الإمام الطبري قد تمنع من بقي في قلبه ذرة ورع من إطلاق ذلك في حقه.
فمثلا ما موقف البعض عندما يعلم أن الإمام الطبري يعتقد أن الله تعالى لا مماس للعالم ولا مباين له؟ اي ليس داخل العالم ولا خارجه؛ لأنه ليس كمثله شيء فلا يقبل ما تقبله الأشياء التي ليست مثله بحال من الأحوال؟؟
للأسف سيكون حالهم إما التكذيب بأن الإمام الطبري يعتقد ذلك، مع وجود الدليل القاطع على ذلك، وإما تهمته بالتجهم والاعتزال والتعطيل.
وماذا لو يعلم البعض أن الطبري يقول باستحالة اتصاف الله تعالى بصفات حادثة، وبأن تسلسل الحوادث بلا أول في جانب الأزل أمر مستحيل باطل، وبأن الله تعالى لم يزل قادرا في الأزل مع عدم العالم، وغير ذلك مما تنبني عليه أصول وأصول، كأن ما لزمه الحوادث ـ أجناسا أو أفرادا ـ فهو حادثٌ.
النتيجة بلا شك عند ذلك البعض: إما التكذيب، وإما اتهام ذلك الإمام العلم الشامخ بفساد العقيدة أو الزلل فيها أو التجهم والتعطيل وغير ذلك من التهم التي فشت بينهم.
أسأل الله تعالى أن ييسر صدور تلك الرسالة، وأسأل الله تعالى الهداية لكل المسلمين المخلصين المتحلين بالموضوعية العلمية، وأن يرزق الباحثين والدكاترة والأستاذة الشجاعة والقوة لإعلان الحق والرجوع إليه، فإنا جميعا محاسبون عن كل حقيقة أخفيناها أو حرفناها أو كتمناها، لا سيما من لاصق أسماءهم حرف الألف والدال والشين والعين وغيرها.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[29 Dec 2009, 10:06 م]ـ
أخي الكريم أبا عبيدة
مهما كان ما توصلت إليه في عقيدة ابن جرير فأضف إليه أمرين:
أولهما: أن ثَمَّة من العلماء من نبَّه على ما أخطأ بابه ابن جرير في بعض مسائل الاعتقاد. فيصعب الجزم بالسبق في بيانها أو القطع بأن أحداً لم يعلم ما علمت.
ثانيهما: ما أثر ذلك في تفسيره؟
فإن كان له أثر فأضفه إلى ما تبين لك , وإن لم يكن فماذا يرى في المسائل التي تراه خالف فيها السلف من خلال تفسيره؟ فإن لم تجد له كلاماً بيّناً فلماذا سلمت له لوازم تلك المسائل فيما بحثه في تفسيره؟
وتأكد أني وكل محبٍّ للحق سنكون أسعد الناس بأي نتيجة تصل إليها في هذا الموضوع؛ مادام طريقك إليها سليماً: بالعلم والعدل.
وفقك الله لكل خير.
وأنبه أخي خالد إلى أنه ذكر أقوالاً لمعاصرين وباحثين دون أن يتحقق من وصفهم بالعلماء كما في العنوان , كما أنه لم يستوف كلامهم فيه أو على الأقل الكلام الصريح في اعتقاده رحمه الله , وفي ذلك كتب ورسائل فيما أعلم.
ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[29 Dec 2009, 10:44 م]ـ
أشكرك على هذا التعقيب اللطيف
ولا شك أني إذا أخذت بعين الاعتبار ما لاحظته خرجت الرسالة القصيرة عن مقصدها وصارت مشروعا لرسالة أكاديمية مطولة .. وليس هذا المراد منها أصالة.
ولا شك أني ما قرأت كل ما كتب عن عقيدة ابن جرير رضي الله عنه، ولذا فحكمي مقيد ضمنا بما اطلعت عليه.
أما ما أشرت إليه من تنبيه البعض على أخطاء الطبري في بعض مسائل الاعتقاد، فلعل إحدى مقاصد الرسالة تخطئة من خطأه ..
كما أني لا أراه خالف السلف في مسألة اعتقادية رئيسية؛ بل أراه من أفضل من يترجم عن عقيدة السلف لشدة قربه منهم وإحاطته بأهم أقوالهم وإدراكه لمقاصدهم.
كما أن الخطأ في أصول الدين نوعان:
ـ نوع منهجي إذا وقع ترتب عليه الخطأ فيما دونه من المسائل، والمصيبة إذا التزم المرء السير على وفق تلك الأصول الباطلة.
ـ وخطأ فرعي في بعض النتائج الفرعية، وهو مغتفر نظرا لاختلاف الأدلة عليه وعدم ائتلافها.
ولا شك عندي أن الإمام الطبري قد أصاب كل الإصابة في تحديد المنهج العلمي في طرق أبواب العقيدة؛ وعليه ظهر أثر تلك الإصابة في تفسيره ظهورا جليا؛
فمثلا قد اعتبر رضي الله عنه النظر العقلي أساسا لدرك قواعد الاعتقاد في مسائل الإلهيات، وهذه الحقيقة ـ وهي أهمية النظر العقلي في المخلوقات وما يترتب عليه من نتائج ـ عضدها القرآن العظيم في آيات لا تحصى، بل أصلها وقررها، وترتب على ذلك الاعتبار نتائج مهمة ظهرت في المسائل المشكلة التي ناقش فيها الطبري المخالفين له.
البحث شيق لا محالة، خصوصا إذا علمنا أن القرآن العظيم قد حوى حوالي خمسة آلاف آية متعلقة بالعقيدة وأصول الدين، فهي أعظم أبواب الإيمان، ومن أكبر المداخل إلى تلك الأبواب هو الإمام الطبري.
وأزعم أن لو اقتدى الباحثون الصادقون بمنهجه الصائب ومنهجه الحق، واعتبروه رمزا ومرجعا لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ وأذعنوا لنتائجه الأساسية، لارتفع بسبب ذلك الكثير من الخلاف، لكن لا يقبل ذلك إلا من رحم اللهُ.
¥