وإن كنت قد قرأته، ووعيته، كما لعلك تزعم؛ فأستحلفك بالله: ما ذا كان شعورك وأنت تقرؤه؟؟!!
لكن تسهيلا عليك، ومراعاة لحالك، فلعلك لم تصبر على قراءة النص السابق بطوله، وشقت لغته عليك، فلم تُسِغها؛ حسنا يا صاحبي، تفضل هذا النص الموجز، وانظر ما ذا تفهم منه:
(وإن قال لنا قائل: أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، كان قبل خلق السماء أم بعده؟
قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبعَ سموات، كما قال جل ثناؤه: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) [سورة فصلت: 11]، والاستواء كان بعد أن خلقها دُخانًا، وقبل أن يسوِّيَها سبعَ سموات.)!! [تفسير الطبري (1/ 430 - 431) ط شاكر].
وتأمل ما ذكره في تاريخه (1/ 46) عن اليوم الذي فرغ فيه من الخلق، واستوى على العرش!!
وراحمتاه لك، أيها المسكين؛ إن كنت لم تفهم ذلك أيضا، ولم تعلم ما دلالة قبل، وبعد؛
وأخرى، يا الهاني:
لعلك على ذُكْر من منهج الإمام في باب الصفات، والذي نقلناه عنه آنفا: أنها تفهم على حقائها المعروفة في لغة العرب، وأن هذا هو الصواب من القيل، بتعبيره، في كل ما صح به الخبر، فراجعه إن شئت.
فإذا عرفت منهجه الذي نقلناه، وفهمت منجه في الرد على أهل التأويل، في صفة الاستهزاء، وقد نقلناه على طوله، لم تتردد في القطع بأنه لما قال:
(واختُلِف في صفة الغضب من الله جلّ ذكره:
فقال بعضهم: غضبُ الله على من غضب عليه من خلقه، إحلالُ عقوبته بمن غَضبَ عليه، إمّا في دنياه، وإمّا في آخرته، كما وصف به نفسه جلّ ذكره في كتابه فقال: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة الزخرف: 55]، وكما قال: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) [سورة المائدة: 60].
وقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من عباده، ذم منه لهم ولأفعالهم، وشتم لهم منه بالقول.
وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم، كالذي يعرف من معاني الغضب، غير أنه -وإن كان كذلك من جهة الإثبات - فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم؛ لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها) [تفسير الطبري (1/ 188 - 189) ط شاكر].
أظنك يا صاحبي رجل متخصص في الطبري، متضلع من تراثه، لن تحتاج مني إلى مساعدة في التدليل على أن الرأي الأخير هو رأي الطبري، على وجه القطع، والبت!!
فإن بقيت عندك شيء من الغموض في ذلك، فلا تتردد في إخبارنا، حتى نلحق جوابه بالرد المطول عليك، إن شاء الله.
تعال بنا يا صاح، بعدما ذكرناه من فهم الطبري لهذه الصفة، إلى تفسيره لقول الله عز وجل: (وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) البقرة/61، حيث يقول:
(فمعنى الكلام إذا: ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله، قد صار عليهم من الله غضب، ووجب عليهم منه سخط. كما:
1092 - حُدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (وباؤوا بغضب من الله) فحدث عليهم غضب من الله ...
وقدمنا معنى غضب الله على عبده فيما مضى من كتابنا هذا، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع).
[تفسير الطبري (2/ 138) ط شاكر].
فقد قرر صاحبك ـ أيضا ـ أن غضب الله قد حدث عليهم، كما قرر فكرة الزمان، وهو الحدوث الذي تنفونه، في (استوائه) على عرشه!!
حسنا؛ خذ هذه، آخر ما أحبوك به هنا؛ فعلك تفييييييق:
واختلف أهل التأويل في الموصوفين بهذه الصفة من هم؟ وما السبب الذي من أجله فزِّع عن قلوبهم؟
فقال بعضهم: الذي فزع عن قلوبهم الملائكة، قالوا: وإنما يفزِّع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماعهم الله بالوحي.
* ذكر من قال ذلك:
¥