الأول: أنه تعالى كان قادرا على إيجاد الجسم المعين من الأزل إلى الأبد؛ فإذا خلق الجسم المعين، يمتنع أن يقال: إنه بقي قادرا على إيجاده؛ لأن إيجاد الموجود محال، والمحال لا قدرة عليه، فتعلُّق قادريته بإيجاد ذلك الجسم قد زال وفني!!
والثاني: أنه في الأزل يمتنع أن يقال: إنه كان يطلب من زيد إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في الحال، ثم إن عند دخول زيد في الوجود، يصير مطالبا له بإقامة الصلاة في الحال، وإيتاء الزكاة، وهذا الطلب إلزام، والإلزام الحاصل ما كان حاصلا، ثم حصل، وهذا يقتضي حدوث الصفة في ذات الله تعالى ...
الثالث: وهو أنه يمتنع أن يسمع صوت زيد قبل وجوده، وأن يرى صورة زيد قبل وجودها؛ فكونه سامعا لذلك الصوت، إنما حدث عند حدوث ذلك الصوت، وكونه رائيا لتلك الصورة إنما حدث عند حدوث تلك الصورة، وهذا يقتضي حدوث هذه الصفات في ذات الله تعالى!!)
ثم قال بعد أن خرج هذا القول على أصول المعتزلة والفلاسفة:
(فيثبت بهذا البحث الذي ذكرناه: أن القول بحدوث الصفات في ذات الله تعالى، قول قال به جميع الفرق). انتهى بنصه. [المطالب العالية من العلم الإلهي (2/ 71 - 72)].
ثم لا تعليق، يا (عبيدة)؛ فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب!!
أولى لك أيها (الهاني) فأولى؛ ثم أولى لك فأولى، أن تربع على ظلعك، وتعرف قدر نفسك، وتعظها في الصدق والأمانة، قبل أن تكون كما قيل: (رمتني بدائها، وانسلت)!!
وأجرأ من رأيتُ بظَهْر غيبٍ ... على عيب الرجال، أولو العيوب!!
واستمع جيدا، وأصغ إلى قول أبي حيان التوحيدي:
(وإنما عليك أن تعرف نقصك في كمالك، وعجزك في قدرتك، وسفهك في حكمتك، ونسيانك في حفظك، وخبطك في توفيقك، وجهلك في علمك ...
فلا تُرَعْ؛ فليس ما جل عنك: وجب أن يبطل عليك، ولا ما دق عن فهمك: وجب أن يُبَهْرِجه نقدُك، حاكِمْ نفسك إلى نفسك، وعقلك إلى عقلك ... ، ولا تكن إلباً عليهما فتخسر وأنت حاكم، وتحشر وأنت واهم!!)) [البصائر والذخائر (9/ 85 - 87)].
لكنني لا أعتب عليك يا صاحبي، وإنما أعتب على (أهل ملتقانا) السلفي، وأنت تعلم إحنك عليهم، وتاراتك عندهم؛ ثم هم ألطفوا بك، وأكرموك، لتلقي أكاذيبك، وتنفث أحقادك فيهم، من غير أن ترعى لهم حرمة، أو تحفظ لهم ذِماما:
ومَن لكَ بالحُرِّ الَّذي يحفظُ اليَدَا؟!
فدع هذا الموطن، قليلا، يا (عبيدة)، وتعال بنا إلى أول أكذوبة وضعتها في كلامك، وأغربت بها على القراء جميعا، الذين تأثروا بالدعاية المذهبية المضللة، فتوهموا أن الطبري سلفي العقيدة، وها أنت ذا، قد نفضت عنك أطباق الثرى، وأفلت من أسوارك، ورفعت مشعل الهداية، لتقول للناس ـ بلسان حالك ـ:
أنا أبو النجم وشعري شعري ... لِلَّهِ دَرِّي ما يُجِنُّ صدري
حسنا، يا (فخر) إخوانك، و (سيف) خِلاّنك؛ وما لك لا تفعل، وهذا زمانك:
فكلُّ أسيافنا قد أصبحت خشبا!!
تعال ـ إذا ـ يا (الهاني) إلى دعواك:
(ما موقف البعض عندما يعلم أن الإمام الطبري يعتقد أن الله تعالى لا مماس للعالم ولا مباين له؟ اي ليس داخل العالم ولا خارجه؛ لأنه ليس كمثله شيء فلا يقبل ما تقبله الأشياء التي ليست مثله بحال من الأحوال؟؟). انتهى كلامه رحمه الله، وعلامات الاستفهام من وضعه هو!!
ما أرخص الكذب عندك، وأخفه على لسانك، يا عبد الله، وما أجرأك عليه!!
أما تمل الكذب يا هذا؟! أما تستحيي؟! أما تخشى الفضيحة، قبل عقاب الله؟!
لقد يبدو أنك أدمنت الكذب والبهتان، فشق عليك أن تنزع منه!!
عوتب أعرابي على الكذب فقال: لو غرغرت لهواتك به ما صبرت عنه!! [بهجة المجالس، لابن عبد البر (1/ 2/580)].
حسنا يا (أبا لَمْعَة الثاني!!) [لعل القراء يعلمون من هو (أبو لمعة الأول) صاحب الخواجة (بيجو) أكبر مخترع للفُشار والغرائب الملفقة، التي تستخرج منك الضحك، ولو كان في قرار حذائك المخروم]، تعال معي ـ أبا لمعة ـ لأقرئك كلام الطبري، في سياقه بتمامه، ثم انظر ماذا تفهم منه، وهما موضعان، لا ثالث لهما في كتبه الموجودة بين أيدينا، أشار إلى الفكرة التي ذكرتها آنفا:
¥