وأنا أقول: كما أنه يستبعد سماع كلام، لا يكون حرفا، ولا صوتا؛ فكذلك يستبعد رؤية موجود لا يكون جسما، ولا حاصلا في جهة معينة. فإن كان الاستبعاد معتبرا، فليكن معتبرا في الموضعين، وحينئذ نلزمكم أن تحكموا بامتناع رؤيته، وإن كان باطلا في الموضعين، فحينئذ نلزمكم أن تحكموا بأنه لا يمتنع سماع كلام لا يكون حرفا ولا صوتا، فانقطعوا بالكلية، وعجزوا عن الفرق. والله أعلم) [مناظرات الرازي (53)].
ونحن نقول: إن الاستبعاد معتبر، وإن كلامهم في الموضعين باطل!!
وأما إن تركت الجد، وعدت إلى حالك الأولى من المسخرة، والهزل، فقلت: دليل العقل الذي حكم بامتناع حلول الحوادث، وقاس الغائب على الشاهد، ليس هو الذي حكم بأنه لا مماس ولا ممازج، ولا ... !!
فقد وقف الإمام محمد عبده على مثل هذه المساخر، والحيل، والنارينجات، فقال:
((والعجب لرجل يدعي الفضل، ثم يفرق بين:
علم المعتزلة بحسن الأفعال وقبحها، وعلم الماتريدية بذلك!!
بأن علم العقل عند الماتريدية: ليس صادرا عنه [يعني عن العقل] مباشرة ولا توليدا؛ بل عن الله تعالى (؟؟؟!!!)؛ فمن ثم صح أن يجعل حكما على الله؛ لأن الله تعالى هو الحاكم على نفسه حينئذ.
وعند المعتزلة: هو صادر عنه مباشرة، فكان حكمه حكما لغير الله، على الله.
وقد يستدل على ذلك بموافقة الماتريدية والأشاعرة في أنه لا حاكم على الله، وموافقتهم المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين!! ويقول ....
وبالجملة: فهذا كلام ناشيء عن عدم التأمل رأسا؛ بل عدم الديانة!!).
[حاشية الشيخ محمد عبده على شرح الدواني للعضدية (2/ 544 - 545)].
وعودا على بدء، أبا عبيدة الهاني، وقد مل القلم، وآن لنا نضع لأْمة الجدال؛ فلقد تركت أمورا أخرى لم أعلق عليها، ليست في أصل البحث بيننا، وتركت أصل مذهبك، فلم أعرض له إلا بمقدار ما أثرته من مسائل، لأن المقام ليس مقامه، ولـ (حاجة في نفس يعقوب)!!
وذِي خَطَلٍ في القَوْل يَحْسِبُ أَنَّهُ ... مُصِيبٌ فما يُلْمِمْ به فهو قائلُهْ
عَبَأْتَ له حلْماً وأَكْرَمْتَ غَيْرَه ... وأَعْرَضْتَ عنه وهو باد مَقَاتِلُهْ
فإن رأيت يا صاحبي أني قد دللتك على بعض خطئك، فدونك يا صاحبي بحثك الموعود؛ فتيمم به التنور، واستدفئ به في ليالي الشتاء؛ فقد أظلنا زمانه!!
وإن أبيت إلا أن تركب متن اللجاج، فما غَناء التَّعَنِّي بزجْر، ولات حين مُزْدَجر، ورميٍ عن قوس ليس لها وتر!!
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً ... ولكن لا حياةَ لمن تنادي
ولو ناراً نفختَ بها أضاءتْ ... ولكن أنتَ تنفخُ في (الزبادي)!!
فامض لما شئت من شأنك، وأجلب علينا بخليك ورجلك، و:
سَوْفَ تَرَىَ إذا انجلى الغُبَارُ ... أَفَرَسٌ تَحْتَكَ أَمْ حِمَارُ!!
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.