¨ ثانيا: إن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن، على معنى أنه في جملته لا يخرج عن سبع لغات هي أفصح لغاتهم، فأكثره بلغة قريش، وعلى هذا يحمل قول عثمان رضي الله عنه: إنما نزل بلغة قريش، ومنه ما هو بلغة هذيل، أو ثقيف، أو هوازن، أو كنانة، أو تميم، أو اليمن، فهو يشتمل في مجموعه على اللغات السبع.
وهذا الرأي يختلف عن سابقه، لأنه يعني أن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن، لا أنها لغا مختلفة في كلمة واحدة بإتفاق المعاني،، وهذا ما أكد عليه أبو عبيد، وابن العربي، ومن الأمثلة على ذلك: تعدد عدم الهمز، (وهو لغة قريش)، والهمز (وهو لغة غيرهم).
وممن أيد هذا الرأي أيضا، القاضي الباقلاني رحمه الله، واستدل بقوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا)، ولم يقل (قرشيا)، حتى يقال بأنه نزل كله بلغة قريش، وخالف ابن قتيبة رحمه الله، وغيره، وقالوا: لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش، واستدلوا بقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)، والله أعلم.
¨ ثالثا: إن الأحرف السبعة، أوجه سبعة: من الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والجدل، والقصص، والمثل، أو من: الأمر، والنهي، والحلال، والحرام، والمحكم، والمتشابه، والأمثال، وقد أخرج الحاكم والبيهقي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد، وعلى حرف واحد،ونزل القرآن من سبعة أبواب، على سبعة أحرف: زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال.
¨ رابعا: وذهب جماعة من العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة، وجوه التغاير السبعة التي يقع فيها الإختلاف، وهي:
· إختلاف الأسماء بالإفراد والتذكير وفروعها: التثنية والجمع والتأنيث، كقوله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)، حيث قريء بالجمع "لأماناتهم" وقريء بالإفراد، "لأمانتهم" بالإفراد، ورسمها في المصحف: "لأمنتهم"، يحتمل القراءتين، لخلوها من الألف الساكنة، ومآل الوجهين في المعنى واحد، فيراد بالجمع، الإستغراق الدال على الجنسية، ويراد بالإفراد الجنس الدال على معنى الكثرة أي جنس الأمانة، وتحت هذا جزئيات كثيرة.
· الإختلاف في وجوه الإعراب: كقوله تعالى: (ما هذا بشرا)، قرأ الجمهور بالنصب، على أن "ما" عاملة عمل "ليس"، وهي لغة أهل الحجاز وبها نزل القرآن، وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: (ما هذا بشر)، بالرفع، على لغة بني تميم، فإنهم لا يعملون "ما" عمل "ليس"، وكقوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات)، قريء بنصب "آدم" ورفع " كلمات".
· الإختلاف في التصريف:
كقوله تعالى: (فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا)، قريء بنصب (ربنا) على أنه منادى مضاف و (باعد) بصيغة الأمر، وقريء (ربنا) بالرفع و (باعد) بفتح العين، على أنه فعل ماض، وقريء (بعد) بفتح العين مشددة مع رفع (ربنا) أيضا.
ومن ذلك ما يكون بتغيير حرف، مثل (يعلمون، وتعملون)، بالياء والتاء، و (الصراط، والسراط) في قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم).
· الإختلاف بالتقديم والتأخير:
o إما في الحرف، كقوله تعالى: (أفلم ييئس)، وقريء: (أفلم يأيس).
o وإما في الكلمة، كقوله تعالى: (فيقتلون ويقتلون)، بالبناء للفاعل (المعلوم) في الأول، وللمفعول (المجهول) في الثاني، وقريء بالعكس.
وأما قراءة (وجاءت سكرة الحق بالموت)، بدلا من قوله تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق)، فقراءة أحادية أو شاذة، لم تبلغ درجة التواتر.
· الإختلاف بالإبدال:
o سواء كان إبدال حرف بحرف، كقوله تعالى: (وانظر إلى العظام كيف ننشزها)، قريء بالزاي مع ضم النون، وقريء بالراء المهملة مع فتح النون.
o أو إبدال لفظ بلفظ، كقوله تعالى: (كالعهن المنفوش)، قرأ ابن مسعود رضي الله عنه وغيره، (كالصوف المنفوش).
o وقد يكون هذا الإبدال مع التفاوت في المخارج كقوله تعالى: (وطلح منضود)، قريء (طلع) ومخرج الحاء والعين واحد، فهما من حروف الحلق.
· الإختلاف بالزيادة والنقص:
¥