ولعل هذا الخطأ وقع نتيجة الإتفاق في العدد سبعة، بين الأحرف والقراءات، كما أشار إلى ذلك ابن عمار رحمه الله، بقوله: لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له، وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر، وليته إذ اقتصر نقص على السبعة أو زاد ليزيل الشبهة.
ثم رجح الشيخ مناع، الرأي الأول، كما سبق، وقال بأنه هو الذي يتفق مع ظاهر النصوص، وتسانده الأدلة الصحيحة، وقد كانت القراءة بها ضرورة، في أول الأمر، حتى تمكن الناس من الإقتصار على الطريقة الواحدة، كما أيد ذلك، الطحاوي رحمه الله، كما سبق، وأبوبكر بن الطيب، وابن عبد البر، وابن العربي وغيرهم، كما ذكر ذلك الزركشي رحمه الله في "البرهان".
وعلى الجانب الآخر، مال الشيخ الدكتور عبد البديع أبو هاشم حفظه الله، في "إمتاع الجنان" إلى التوقف في الترجيح بين هذه الأقوال، فقال: والأولى عدم المجازفة على الرجم بالغيب بالأحرف السبعة، لأن هذا هو شأن الصحب الكرام، رضي الله عنهم، حيث لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن عين الأحرف السبعة، وبالتالي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عينها، غير أنه أخبر عن ثبوتها، وليس هذا غريبا و لا بدعا من القول، حيث سبق إليه الإمام ابن حبان رحمه الله بقوله: وهي أقاويل يشبه بعضها بعضا، وكلها محتملة وتحتمل غيرها. اهـ.
ويرد على الذهن سؤال مهم، وهو: هل الأحرف السبعة باقية في المصحف أو لا؟
وقد أجاب العلماء على هذا السؤال بـ 3 إجابات، نقلها الدكتور عبد البديع أبو هاشم، وهي:
¨ الإجابة الأولى: أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضبطها عنه الأئمة، وأثبتها عثمان رضي الله عنه والصحابة في المصحف، وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا، وأنها موجودة إلى الآن في المصحف كلها، وممن أيد هذا الرأي الشيخ الزرقاني رحمه الله في "المناهل"، فقال بأن شاهد وجود هذه الأحرف قائم وثابت، وهو أن القرآن ميسر على كل من قرأه، لا يستحيل على لسان، ولا يصعب على إنسان، وهذه هي الغاية المنشودة من وراء إنزال القرآن على سبعة أحرف، سواء عرفت بأعيانها أم لم تعرف، والأمة كلها مفتقرة إلى هذا التيسير وغير العرب أولى منهم.
¨ الإجابة الثانية: أن الموجود هو الحرف الذي جمع عثمان رضي الله عنه، الأمة عليه، كما أشار إلى ذلك الطبري والطحاوي، كما سبق.
¨ الإجابة الثالثة: وهي وسط بين الإثنين السابقتين، وقد ذهب إليها الشاطبي رحمه الله، وهي أن مصحف أبي بكر رضي الله عنه، كان مشتملا على الأحرف السبعة، وأما مصحف عثمان رضي الله عنه، فليس فيه إلا حرف واحد.
وأخيرا، لخص الشيخ مناع في "المباحث" حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف، في 3 نقاط:
¨ أولا: تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين، ومن أبرز ما يدل على هذه الحكمة، حديث أبي، قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء، فقال: إني بعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاس والعجوز، فقال جبريل: فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف.
¨ ثانيا: إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب، فتعدد مناحي التأليف الصوتي للقرآن تعددا يكافيء الفروع اللسانية التي فطرة اللغة في العرب حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به الرسول صلى الله عليه وسلم العرب، فلم يكن إعجازا للسان دون لسان، وإنما كان إعجازا لفطرة العرب اللغوية.
¨ ثالثا: إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فإن تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه إستنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائما لكل عصر، ولهذا احتج الفقهاء في الإستنباط والإجتهاد بقراءات الأحرف السبعة.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[09 Jul 2004, 10:30 ص]ـ
بارك الله فيك يا أخي و للشيخ مناع القطان كتاب مستقل عن الأحرف السبعة اسمه (نزول القرآن على سبعة أحرف) رغم أني أرى أن اختياره مشكل جدًا في نظري و لا يسلم من الاعتراضات و أن أفضل الآراء هو الذي ذهب إليه ابن قتيبة و ابن الجزري فهو الوحيد السالم من كل الاعتراضات و التكلفات إن شاء الله.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[09 Jul 2004, 04:51 م]ـ
القول الذي ذكر الدكتور هشام أنه أسلم الأقوال، هو في الحقيقة لا يسلم أمام ميزان النقد العلمي، وقد بين مناع القطان ذلك في كتابه الذي أشرت إليه.
وقد بحث الموضوع في هذا الملتقى أكثر من مرة، ومن ذلك:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=549&highlight=%E4%D2%E6%E1+%C7%E1%DE%D1%C2%E4+%DA%E1%E C+%D3%C8%DA%C9+%C3%CD%D1%DD
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=1328&highlight=%E4%D2%E6%E1+%C7%E1%DE%D1%C2%E4+%DA%E1%E C+%D3%C8%DA%C9+%C3%CD%D1%DD
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=373
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=191
¥