تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

o ثالثا: يلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمن التحدي، ويخلو القرآن عندئذ من الإعجاز، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة على أن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم العظمى باقية، ولا معجزة له باقية سوى القرآن. اهـ، (بمعنى أنهم إن صرفوا عن الإتيان بمثله، مع قدرتهم، لن يصرف من يأتي بعدهم، إذا كان عالما بأسرار اللغة، لأنه غير مخاطب بما خوطبوا به من الصرفة، وهذا لا يقوله عاقل، فضلا عن عالم)، والله أعلم.

o رابعا: لو كانت المعارضة ممكنة وإنما منع منها الصرفة لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون المنع معجزا، فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه، وهذا مضمون كلام أبي بكر الباقلاني رحمه الله، كما سبق ذكر ذلك.

· وشدد الإمام أحمد رحمه الله، النكير على من قال بأن القرآن مقدور على مثله، فيما نقله عنه عبد الواحد التميمي رحمه الله في "إعتقاد الإمام المنبل أبي عبد الله أحمد بن حنبل"، حيث قال بأن الإمام أحمد كان يكفر من يقول: إن القرآن مقدور على مثله، ولكن الله تعالى منع من قدرتهم، بل هو معجز في نفسه، والعجز قد شمل الخلق.

· بل إن بعض المعتزلة، رد هذه المقالة، ومن أبرزهم القاضي عبد الجبار، وهو إمام المعتزلة في زمانه، في كتاب المغني، كما ذكر ذلك محمود محمد شاكر في مقدمته لكتاب "دلائل الإعجاز".

· ومما يؤيد بطلان هذا الرأي، ما ذكره الجاحظ، وهو أيضا من أئمة المعتزلة، من أن قريشا اختارت الحرب، على ما فيها من إزهاق للأرواح وفقد للأحبة، لتنقض قول الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان الأمر أيسر من ذلك، لو كانت لديهم القدرة على معارضة القرآن بسورة واحدة فقط، وهو الذي كان يتحداهم ليل نهار بذلك، فما استطاعوا، واختاروا القتال على ما فيه من نصب.

¨ ثانيا: وذهب قوم إلى أن القرآن معجز ببلاغته، التي وصلت إلى مرتبة لم يعهد لها مثيل.

¨ ثالثا: وذهب بعضهم إلى أن وجه إعجازه هو في تضمنه البديع الغريب المخالف لما في كلام العرب، من الفواصل والمقاطع.

¨ رابعا: وذهب آخرون، ومن أبرزهم أبو الهذيل العلاف، من المعتزلة، إلى أن إعجاز القرآن مقتصر على صدقه فيما أخبر به من مغيبات، حيث ذكر البغدادي رحمه الله، في "الفرق بين الفرق"، أن من فضائح أبي الهذيل قوله: إن نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس بمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا دلالة على صدقه في دعواه النبوة، وإنما وجه الدلالة منه على صدقه ما فيه من الإخبار عن الغيوب، ويعلق الشيخ مناع، رحمه الله، على هذا الرأي بقوله: وهذا قول مردود، لأنه يستلزم أن الآيات التي لا خبر فيها عن المغيبات المستقبلة والماضية لا إعجاز فيها، وهو باطل، فقد جعل الله كل سورة معجزة بنفسها.

¨ خامسا: وذهب البعض إلى أن القرآن معجز لما تضمنه من العلوم المختلفة.

وقد رجح الشيخ مناع، رحمه الله، القول بأن القرآن معجز، في كل هذه الأوجه، فلا يقتصر إعجازه على وجه منها دون الآخر، وأما الدكتور محمد لطفي الصباغ، فقد رجح القول بأن إعجاز القرآن، وإن كان شاملا لكل هذه الأوجه، إلا أنه يتركز أساسا، في النواحي اللغوية، التي تتعلق بلفظه ونسقه وبيانه ونظمه، لأنه أنزل على قوم صناعتهم البلاغة، فكانت معجزتهم في عين ما برعوا وتفوقوا فيه.

وممن تكلم عن إعجاز القرآن اللغوي، فأجاد، أبو بكر الباقلاني رحمه الله، في إعجاز القرآن، فقال ما ملخصه:

أن هذا الإعجاز اللغوي يشمل النقاط التالية:

¨ أولا: أن القرآن جاء بأسلوب خارج عن أساليب النظم عند العرب، فما هو بالنثر، وما هو بالشعر، ولذا عجزوا عن معارضته.

¨ ثانيا: أن عجيب نظم القرآن وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين على ما ينصرف إليه من الوجوه التي يتصرف فيها، من ذكر وقصص ومواعظ، واحتجاج وحكم وأحكام … الخ، بمعنى أن بلاغة القرآن لا تتفاوت من باب لآخر، خلاف غيره من الكلام، فكلام الشعراء، على سبيل المثال يتفاوت من غرض لآخر، فنجد منهم من برع في الهجاء، على سبيل المثال، ولكنه لم يبرع بنفس الدرجة، في بقية أغراض الشعر، ولذا ضرب المثل بكل شاعر، بحسب ما برع فيه، فضرب المثل بإمريء القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وبزهير إذا رغب، ولم يضرب المثل بأحدهم في كل أجناس

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير