وللمثقف يكون في ذلك الخير.
* الفرقان: هنالك تفاسير كثيرة منها ما هو قديم ومنها ما هو جديد، كالكشاف للزمخشري وجامع البيان للطبري، وكالظلال لسيد قطب، والتفسير البياني لبنت الشاطئ، وغيرها كثير، ما رأيكم فيها، وما أفضلها؟
- التفاسير القديمة ثلاثة: تفسير الزمخشري وتفسير الطبري وتفسير الرازي، ويقولون إن كل ما عدا هذه التفاسير إنما هو منها وإليها. هذه العبارة قد يكون فيها نوع من المبالغة، لكن هي في مجملها قد تكون صحيحة إلى حدّ ما. فابن جرير الطبري كان شيخ المفسرين وهو أصل لكل من جاء بعده، لكن مشكلة تفسيره كثرة الأسانيد وهذه قد يجد فيها بعض الدارسين هذه الأيام ما يزيد على أوقاتهم، مع أن ابن جرير في مقدمته كان يريد أن يجعل تفسيره من ثلاثين ألف ورقة، لكن لما رأى ضعف الهمم جعله في ثلاثة آلاف. تفسيره جيد، وهناك روايات في تفسيره تحتاج إلى عرض وتدقيق.
أما الكشاف للزمخشري فهو درّة يتيمة، لم يوضع مثله، لكن يؤخذ عليه اعتزالياته، لأن الزمخشري كان معتزلاً، وهو من حيث البيان لا يجارى ولا يُشقّ له غبار. لا يوجد تفسير بعد الزمخشري إلا وللزمخشري فضل عليه، حتى الذين حملوا عليه مثلما في البحر المحيط لابن حيّان، كلهم أخذوا عنه.
أما تفسير الرازي فهو بحر لا ساحل له، وقد توسع كثيراً في القضايا الكونية والفرق الكلامية من معتزلة وأشاعرة وحنابلة. قالوا: فيه كل شيء إلا التفسير، وهي عبارة ظالمة، وأنا أقول: فيه كل شيء وفيه التفسير.
والجامع للقرطبي مختص بالأحكام، والبحر المحيط لابن حيان من خير ما كتب مع أن اختصاصه بالنحو، وتفسير البيضاوي مأخوذ من الكشاف، وكل هؤلاء تلاميذ للزمخشري، هذه هي التفاسير القديمة. وفي العصر الحديث هناك تفسير المنار، الذي تمثله مدرسة المنار وهي المدرسة العقلية الاجتماعية. بدأه محمد عبده في تفسير جزء عم ثم الأجزاء التي درّسها في الأزهر، واختصرها صاحب المنار رشيد رضا بما يعرف بتفسير المنار، وكان ممن يمثل مدرسة المنار العلماء: عبدالقادر المغربي ومحمود شلتوت وعبدالجليل عيسى، وتفسير المراغي. والمنار من خير التفاسير التي كتبت، ولا يوجد تفسير قد سلم من الخطأ لكن القضية نسبية.
وهناك المدرسة العلمية ويمثلها تفسير الجواهري (طنطاوي جوهري) وهو من (20) جزءاً، تطرق فيه إلى قضايا علمية وكونية، كما تطرق إلى واقع المسلمين وهمومهم، فهو شخصية موسوعية وكان من رفقاء الإمام الشهيد حسن البنا.
وهناك المدرسة التربوية الوجدانية ويمثلها كتاب (في ظلال القرآن) لسيد قطب - رحمه الله -، وهو نفثات مؤمنة كانت تعيش مختزنة في صدر صاحبها فأخرجها للناس بهذا الاسم (الظلال). مشكلته أنه سيّد كتبه ولم يكن في جميع أحواله مستقر النفس في السجن، ففيه تكرار كثير أحياناً، وفيه تطويل كثير أحياناً، وفيه اختصار كثير أيضاً، وبعض القضايا كانت بحاجة إلى اختصار أطال فيها، وبعض القضايا كانت بحاجة إلى تطويل اختصر فيها، ولو أنه قدّر لأحد أن يخرجه بقالب آخر مع المحافظة على نفثات صاحبه لكان فيه خير كثير، وأما الأساس في التفسير لسعيد حوى فهو في كثير منه مأخوذ من الظلال ومن غيره كما جاء في مقدمته.
وهناك مدرسة الجمهور، التي نجد فيها تفسير ابن عاشور (التحرير والتنوير) وتفسير (الوسيط) لمحمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الحالي، والذي أصله كان للكومي ولم يكمله فأكمله طنطاوي.
وهناك تفاسير في بعض سور القرآن كالتفسير البياني لبنت الشاطئ، التي سارت فيه على منهج زوجها أمين الخولي، واعتبرت أن القرآن قبل أن يكون كتاب هداية فهو كتاب العربية الأكبر، وأنا لا أوافقها وزوجها على ذلك. وقد كتبت مقالاً تحدثت فيه عن مؤاخذات عليها فهي تريد أن تقلل من شأن الأئمة السابقين، وتريد أن تنسب لهم أشياء غير صحيحة، وكان ينبغي عليها أن لا تحمل على هؤلاء الجهابذة.
* الفرقان: في كتابك " القصص القرآني إيحاؤه ونفحاته " تطرقت بشكل موسع لموضوع تكرار القصة القرآنية. لماذا؟
¥