فالحاجة التي دعت العلماء إلى إيراد الشواهد الشعرية أو النثرية لإثبات ما ذهبوا إليه أدل دليل على عدم وجود الاتفاق المطلق عليه وإلا لما احتاج أحدهم إلى ذكر شواهد وأدلة، (فإذا وصل بنا الزمان أن نذكر دليلا على أن نبينا المصطفى اسمه محمد علمنا أن من أهل الزمان من يعتد به وله رأي آخر) أما نحن الآن فلا نطلب الدليل على اسم النبي لعدم وجود مشكك معتد به في هذه الحقيقة، فإذا كان الحال كذلك فمن الجائز أن يقع بين أيدينا الخطأ والصواب فيما أثر عن علماء اللغة والتفسير، وعندما ننظر تلك النظرة الرسالية للقرآن فهو الغاية من كل هذا البحث وأن فهمه والعمل بتوجيهاته للنجاة من العذاب والفوز بالجنة هي ما يطمح إليه المتقون، جاز لنا أن نقف على مثل هذا الإشكال الذي يفضي إلى لبس الباطل بلباس الحق ولبس الحق بلباس الباطل نتيجة لاختلاف الفهم المبني على اختلاف علماء اللغة في فهم اللغة في الزمان الغابر.
(ما نصحك من أمَّنك) فالتخويف من الوقوع في الخطأ أولى من التأمين من الوقوع فيه، الخوف من الفشل أولى من الثقة في النجاح.
إن غايتي ليست للجدل المحض وإنما للفت النظر وطلب النجاة
(وقد كان للشعر النصيب الأوفر في ذلك) لو عرضت هذه المقولة على القرآن لوجدنا قول الله العزيز (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) فهل تحذرني هذه الآيات أم ترغبني، وعلى سبيل التحذير أسير فهل في أنا مخطئ؟
(وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) أشكل العرب على هذه النص الشريف عند نزوله حتى قال امرؤ القيس إني رجل كبارا، فلو لم يقل ذلك لبقيت العرب على إنكارها، أما المسلم فسيقول الحق بأن ما جاء به الله هو الحق وإن لم تعلم العرب به فهو العالم المطلق وهم القاصرون على ما يعلمون وفوق كل ذي علم عليم، وهناك مثل قرآني على ذلك: علم نوح (ع) بما لا يدع مجال للشك عنده بأن ابنه من أهله، وعلم الله العليم بأن ذلك الابن ليس من أهله، فليس لنوح أن يحاجَّ الله في علمه وهو العليم المطلق بل عليه أن يذعن ويرمي ما علمه وتيقن منه وراء ظهره ثقة بعلم الله واطلاعه (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، والنتيجة هي أنه إذا قال الله وأنكر العرب فصدق الله وكذب العرب.
فهل يعرض الصدق الصرف على ما يحتمل خطؤه، وهل من الكمال في القرآن وهو كتاب الهدى أن يحتاج إلى من يهدي لهداه أو أن يعتمد في فهمه على وجود غيره؟ وإذا كان غيره ضروري لفهمه فقد وجب حفظه لألا تنتقض الحجة الربانية بإنزاله هدى للعالمين.
أرجو الله أن يهدينا لعلم الكتاب الذي (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) وكلنا يعلم بأن ما كتب وقيل في علم القرآن لا يستنفذ من المداد المزعوم شيئاً فأين ذلك العلم وأين تلك الكلمات التامات وهل يكفينا جهد العلماء السابقين ومن تبعهم من المعاصرين فنقف عند ذلك والله يدعي وهو الحق بأن كلماته في هذا القرآن لو كتبت بماء البحار مضاعفة لاستنفذت البحار قبل أن تستنفذ تلك الكلمات، وبهذا علمنا أن ما جاء به العلماء أثابهم الله لا يعد نقطة في ذلك البحر، فعلينا أن نمخر عبابه بحثاً عن لبابه وعلومه فنحن خير أمة أخرجت للناس.
وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Jul 2004, 09:50 م]ـ
أخي الحبيب السبط وفقه الله.
سارت مشرقةً وسرت مغرباً * شتان بين مشرق ومغربِ!
هناك - فيما يبدو لي - خلل في الفهم، فلعلك تراجع معنى الآيات التي ذكرتها، ووجه الاستدلال الذي ذهبت بها إليه وفقك الله. فنفي الشاعرية عن الرسول وذم الشعر القبيح لا يعني أكثر من ذلك، وليس دليلاً على ذم الشعر مطلقاً والأمر في هذا يطول.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[26 Jul 2004, 11:20 م]ـ
قل السيوطي في الإتقان 2/ 55:
قال أبو بكر الأنباري: قد جاء عن الصحابة والتابعين كثيراً الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله بالشعر وأنكر جماعة لا علم لهم على النحويين ذلك.
وقالوا: إذا فعلتم ذلك جعلتم الشعر أصلاً للقرآن.
قالوا: وكيف يجوز أن يحتج بالشعر على القرآن وهومذموم في القرآن والحديث.
قال: وليس الأمر كما زعموه من أنا جعلنا الشعر أصلاً للقرآن بل أردنا تبيين الحرف الغريب من القرآن بالشعر لأن الله تعالى قال إنا جعلناه قرآناً عربياً وقال بلسان عربي مبين
وقال ابن عباس: الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله الله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانها فلتمسنا معرفة ذلك منه.
ثم أخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: إذا سألتموني عن غريب القرآن فالمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب
وقال أبو عبيد في فضائله: حدثنا هشيم عن حصين بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عتبة عن ابن عباس أنه كان يسأل عن القرآن فينشد فيه الشعر.
قال أبو عبيد: يعني كان يستشهد به على التفسير
¥