وفي رسالته – صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل الروم جاء: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسين أي الفلاحين ويأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون وهو اقتباس من قوله تعالى: " قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران: 64)
وقال السيوطي في قوله عليه الصلاة والسلام يوم " خيبر ": إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
قال: هو من أدلة جواز الاقتباس من القرآن وهي كثيرة لا تحصى.
ورد في سياق وصية أبي بكر –رضي الله عنه- قوله:
"أني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وإن يجر ويبدِّل فلا أعلم الغيب، "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" نقلها ابن كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية.
وما سبق كله في النثر كما ترى أما في الشعر:فإن بعض الفقهاء رأى أن الاقتباس في الشعر – خصوصاً - غير جائز أصلا لأنه يجب أن ينزه القرآن عن الشعر مطلقا وإنْ حَسُنَ الغرض وشَرُفَ المقصد إذ كيف يجوز ذلك في ضوء نفي وصف الشعر عن القرآن الكريم بمقتضى آيات القرآن الكريم والتي منها قوله تعالى: " وما هو بقول شاعر ".
* نماذج الاقتباس المحرّم اتفاقاً:
الأنموذج القذر الذي يقول:
" أنت الآن قاب شفتين، أو أدنى، من الحب، فهزي إليك بجذع اللحظة وصلي لنا ... صلي وتناسلي وتساقطي عشقًا شهيًا".
وقد سمعت بعض المعاصرين يقول واصفاً بعض طواغيت الكفر – على سبيل الهزْءِ به- (والسخريةُ باديةٌ في قولهِ):
ويزجي الصواعقَ في كلِّ أرضٍ
ويحشو المنايا بحبِّ الحصيدْ
ويفعلُ في خلقهِ مايريدْ ... !
قال صالح عبد القدوس وهو من مات بتهمة الزندقة:
فلو أن المفرِّط كانَ حيًا توفى الباقيات الصالحات
وقال خبيث مارق آخر:
أوحى إلى عشاقه طرفُهُ هيهات هيهات لما توعدون
وردفه ينطق من خلفه لمثل ذا فليعمل العاملون
وساقط هالكٌ (وهو يأتي بأواخر سورة الشمس كما ترى) قال:
قسما بشمس جبينه وضحاها ونهار مبسمه إذا جلاها
وبنار خديه المشعشع نورها وبليل صدغيه إذا يغشاها
لقد ادعيت دعاويا في حبه صدقت وأفلح من بذا زكاها
فنفوس عذالي عليه وعذري قد ألهمت بفجورها تقواها
فالعذر أسعدها مقيم دليله والعذل منبعث له أشقاها
* شروط الاقتباس لمن اشترط:
1 - الفواصل: ولو كانت باستخدام علامات الترقيم كالتنصيص وغيره , مما يدلل على فصل مابين قول الشاعر وما ضمَّنه إياه من نص القرآن الكريم.
2 - مراعاة الاحترام والتقدير والتبجيل لكلام الله: وعدم إقحام النص في موضعٍ ينزّه عنه (الذكر الحكيم) أما إذا كان السياق لا يحتمله كالسياق الهزلي فإن هذا مما لا يجوز نظماً ولا نثرا.
3 - عدم التكلف و الإسراف: وذلك بليِّ أعناق النصوص القرآنية ليعبر بها عن معنى من المعاني كالذي ينقل عن المرأة التي كانت لا تتحدث –في زعمهم- إلا بالقرآن فإن هذا من التكلف، وهو أشبه بالعبث –عياذاً بالله-.
4 - عدم الزيادة في التضمين عن كلمتين: وهذا ماذكره بعضهم وأنه لم يأتي في شعر الشعراء على مدَّ التاريخ المتطاول أكثرُ من ذلك في البيت إلا من فعل بعض المرَدة من حداثييِّ زماننا البائس , وإلى الله المشتكى.
5 - استدعاء الضرورة الفنية للاقتباس: فلا يتجاوزها بأن يصبح ديدنا , وطريقاً مسلوكاً للشاعر فيما يكتبه في كل حين.
6 - أن يقصى الاقتباس إطلاقا فيما اطلقه الله على نفسه سبحانه:فلا يستخدم على غير ما نزل فيه , كما نُقل عن أحد ولاة بني مروان أنه رُفعت إليه شكاية من بعض عماله فوقَّع عليها "إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم" (سورة الغاشية).
* مراجع الموضوع:
1 - «الاقتباس من القرآن الكريم» لأبي منصور الثعالبي.
2 - الإتقان في علوم القرآن. السيوطي
¥