جاء في كتاب التعريفات للجرجاني: " الاقتباس: أن يُضمّن الكلام نثرا أو نظما شيئا من القرآن أو الحديث ... كقول شمعون في وعظه: يا قوم اصبروا على المحرمات، وصابروا على المفترضات، وراقبوا بالمراقبات، واتقوا الله في الخلوات، ترفع لكم الدرجات. وكقوله: وإن تبدلت بنا غيرنا فحسبنا الله ونعم الوكيل."انتهى.
* أنواع الاقتباس:
1 - ما لم يُنقل فيه المقتبَس (بفتح الباء) عن معناه الأصلي.
ومنه قول الشاعر:
قد كان ما خفت أن يكونا إنا إلى الله راجعونا
وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير، لأن الآية " إنا إليه راجعون " (البقرة: 156)
ومنه قول الحريري:
"فلم يكن إلا كلمح البصر أو أقرب حتى أنشد فأغرب" فإن الحريري كنى به عن شدة القرب وكذلك هو في الآية الشريفة.
2 - ما نُقِل فيه المقتبس عن معناه الأصلي.
كقول ابن الرومي:
لئن أخطأت في مدحك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي (بوادٍ غيرِ ذي زرع)
فقوله {بواد غير ذي زرع} اقتباس من القرآن الكريم (من سورة إبراهيم:37) وهي في القرآن الكريم بمعنى " مكة المكرمة، إذ لا ماء فيها ولا نبات، فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي هو: " لا نفع فيه ولا خير ".
وقد روي في ترجمة أبي منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي- صاحب الخزانة- أنه قال شعراً في الوعظ:
يا من عدا ثم اعتدى ثم اقترف ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف
أبشر بقول الله في آياته "إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف"
ومثله في الحسن والحذْقِ قول بعضهم:
يا نظرة ما جَلَتْ ليَ حسن طلعته حتى انقضت وأدامتني على وجل
عاتبت إنسان عيني في تسرعه فقال لي: " خُلق الإنسان من عجل
قال الشيخ صفي الدين الحلي:
هذي عصاي التي فيها مآرب لي وقد أهش بها طورا على غنمي
ومن التلميح قوله أيضا:
إنْ أُلقِها تتلقَّفْ كل ما صنعوا إذا أتيت بسحر من كلامهم
ولصفي الدين الحلي قصيدته الذائعةُ الصيت في علم العروض والتي تفنن فيها بصنعة هي الغاية في الموهبة الفنِّية , وفيها يقول:
في الوافر:
غرامي في الأحبة وفَّرته وشاة في الأزقة راكزونا
مفاعلة مفاعلة فعولن إذا مرُّوا بهم يتغامزونا
في الكامل:
كملت صفاتك يارشا وألو النهى قد بايعوك وحظهم بك قد سما
متفاعلن متفاعلن متفاعلن إنّ الذين يبايعونك إنما
إن قصدتم نحو ظبي نافر فاستميلوه بداعي أنسه
فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ولقد راودته عن نفسه
في المتقارب:
تقاربْ وهاتِ اسقني كأسَ راحٍٍ وباعِد وُشَاتَكَ بُعدَ السَما
فعولن فعولن فعولن فعولن وإن يستغيثوا يغاثوا بما
* الخلاف الفقهي في المسألة:
نقل السيوطي –رحمه الله- أنه اشتهر عن المالكية تحريمه وتشديد النكير على فاعله، أما الشافعية فلم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين منهم، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم، واستعمال الشعراء له قديماً وحديثاً وتعرض له جماعة من المتأخرين، فسئل عنه الشيخ: عز الدين بن عبد السلام فأجازه، واستدل بما ورد عنه –صلى الله عليه وسلم- من قوله في الصلاة وغيرها:"وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ... "الخ، رواه مسلم (771) والترمذي (3421) وأبو داود (760) والنسائي (897)، وقوله:"اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً اقض عني الدين وأغنني من الفقر ... الخ" خرجه الإمام مالك في الموطأ بلاغاً (1/ 201).
و في رسالته – صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى التي أرسلها مع عبد الله بن حذافة جاء فيها: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة " لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " وهو اقتباس من قوله تعالى: " لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ " (يس:70).
¥