لم رفعت الصابئون: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}؟
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[29 - 07 - 2008, 03:36 م]ـ
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} المائدة: 69
{والصابئون}
حدث خلاف بين علماء اللغة حول مجيء المفردة القرآنية بالرفع, حيث أن ظاهر السياق يقتضي أن تكون {الصابئين} , مع انه توجد قراءة بهذا الشكل الأخير - الصابئين - في هذه الآية الشريفة, وهي قراءة أبي بن كعب وابن مسعود وابن كثير.
لقد وقف علماء اللغة وقفة طويلة جدا عند هذه الكلمة.
ذهب سيبويه و الخليل و نحاة البصريين إلى ن قوله «و الصابئون» محمول على التأخير و مرفوع بالابتداء, وخبرُه محذوفٌ لدلالةِ خبر الأول عليه، و معنى ذلك - كما ذكر الطبرسي في المجمع - أن الذين آمنوا و الذين هادوا من آمن منهم بالله إلى آخره و الصابئون و النصارى كذلك أيضا أي من آمن منهم بالله و اليوم الآخر فلا خوف عليهم. وقد أيد العلامة اللغوي الكبير الزمخشري هذا الرأي.
أما العلامة اللغوي الكبير الفراء فله رأي آخر, ذكره في المعاني:
" فإن رفع (الصابِئين) على أنه عطف على (الذين)، و (الذين) حرف على جهة واحدة فى رفعه ونصبه وخفضه، فلمَّا كان إعرابه واحدا وكان نصب (إنّ) نصبا ضعيفا - وضعفه أنه يقع على (الاسم ولا يقع على) خبره - جاز رفع الصابئين. ولا أستحبُّ أن أقول: إنّ عبداللهِ وزيد قائِمان لتبيّن الإعراب فى عبدالله. وقد كان الكسائى يجيزه لضعف إنّ." وقد أيد الفخر الرازي هذا الاتجاه, حيث عبر عنه بقوله: " فهذا تقرير قول الفراء، وهو مذهب حسن وأولى من مذهب البصريين، لأن الذي قالوه يقتضي أن كلام الله على الترتيب الذي ورد عليه ليس بصحيح، وإنما تحصل الصحة عند تفكيك هذا النظم، وأما على قول الفراء فلا حاجة إليه، فكان ذلك أولى."
وذهب علماء لغة آخرون إلى غير ذلك, حيث تفاوتت أقوال علماء اللغة حول سبب الرفع.
وهناك أقوال أخرى منها:
- أن "إنَّ" حرف جواب بمعنى نعم، وعلى هذا يكون ما بعدها مرفوعا على الابتداء، وما بعده معطوفٌ عليه بالرفع، وخبرُ الجميع واحد هو قوله: {مَنْ آمَنَ ... }.
واستشهد أصحاب هذا الرأي بقوله تعالى: {إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ} في قراءةِ مَنْ قرأه بالألف.
- رأي للكسائي ذكره الفراء في المعاني: أن يكون معطوفًا على الضمير المستكنِّ في "هادوا" أي: هادوا هم والصابئون.
قال الفراء: قال الكسائىّ: أرفع (الصابِئون) على إتباعه الاسم الذى فى هادوا، ويجعله من قوله (إنا هدنا إليك) لا من اليهودية.
وقد رد الفراء على الكسائي: " وجاء التفسير بغير ذلك؛ لأنه وَصَف الذين آمنوا يأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى فقال: من آمن منهم فله كذا، فجعلهم يهودا ونصارى."
كما رد ذلك الزجاج أيضا.
وأشار الحلبي في الدر المصون إلى أوجه أخرى لعلماء اللغة:
- فسرها آخرون بأنَّ "الصابئون" منصوبٌ، وإنما جاء على لغةِ بني الحرث وغيرهم الذين يَجْعَلون المثَّنى بالألفِ في كل حال نحو: "رأيت الزيدان ومررت بالزيدان" نقلَ ذلك مكي بن أبي طالب وأبو البقاء، وكأنَّ شبهةَ هذا القائل على ضَعْفِها أنه رأى الألفَ علامةَ رفعِ.
- نقل عن الواحدي: "وفي الآية قولٌ رابعٌ لهشام بن معاوية: وهو أَنْ تُضْمِرَ خبرَ "إنَّ" وتبتدئ "الصابئون" والتقدير: "إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا يُرْحَمُون" على قولِ مَنْ يقولُ إنَّهم مسلمون، و"يُعَذَّبون" على قولِ مَنْ يقول إنهم كفار، فيُحْذَفُ الخبرُ إذ عُرِف موضِعُه، كما حُذِف مِنْ قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ} أي: "يُعاقَبون" ثم قال الواحدي: "وهذا القولُ قريبٌ من قولِ البصريين، غيرَ أنَّهم يُضْمِرون خبرَ الابتداءِ، ويَجْعلون "مَنْ آمن" خبرَ "إن"، هذا على العكس من ذلك لأنه جَعَل "مَنْ آمَن" خبرَ الابتداء وحَذَفَ خبرَ "إنَّ" قلت: هو كما قال، وقد نَبَّهْتُ على ذلك في قولي أولاً: إنَّ منهم مَنْ يُقَدِّر الحذفَ مِن الأول، ومنهم مَنْ يعكس.
¥