بيت حرّفه أبوعلي الفارسي، وتابعه فيه ابن هشام
ـ[د/محمد القرشي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:21 ص]ـ
الإنسان مهما علت منزلته العلمية وعظُمت فهو عرضةٌ للسهو والخطأ والوهم - والكمال لله وحده -
فهذان علمان من أعلام النحاة ومشاهيرهم، أحدهما أبو علي الفارسي ت 377هـ، والثاني ابن هشام ت 761هـ.
حرَّفا قول الفرزدق:
وكل رفيقي كلِّ رحلٍ وإنْ هما ***** تعاطى القنا قوماهما أخوانِ
ومعنى البيت أنَّ كل رفيقين في السَّفر أخوان وإنْ تعادى قوماهما وتعاطوا المطاعنة بالقنا.
قال البغدادي: وهذا البيت مع وضوح معناه قد حرفه أبو علي الفارسي (في المسائل البغداديات) بتنوين قوم، وزعم أنه مفردٌ منصوب، (أي أنه توهمه هكذا:
* تعاطى القنا قومًا هما أخوان *)
فاختل عليه معنى البيت وإعرابه، فاحتاج إلى أن صححه بتعسفاتٍ وتمحلاتٍ كان غنيًّا عنها، ومقامه أعلى وأجل من أن يُنسب إليه مثل هذا التحريف ولكن هو كما قيل: كفى المرءَ نبلاً أن تُعدَّ معايبه.
وقد تبعه على هذا التحريف والتخريج ابن هشام (في مغني اللبيب) ولخَّص كلامه من غير أن يعزوه إليه.
* لمزيد من التفصيل انظر خزانة الأدب 7/ 572 فما بعدها.
ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:26 ص]ـ
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... مرحبًا بقيد الأوابد الدكتور محمد القرشي.
ما أروعك أقولها من القلب!
ـ[أبو العباس المقدسي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:33 ص]ـ
بارك الله فيك يا أستاذنا د. محمد القرشي على هذه الإضاءة الجميلة
وكما قيل: لكل جواد كبوة , ولكل عالم هفوة , ولكل سيف نبوة
نفعنا الله بعلمك أستاذي
ـ[محمد سعد]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 12:42 ص]ـ
تشكر أستاذنا على هذه اللفتة النحوية، وهذا الصيد من بطون الكتب، وهي تدل على سعة علمك
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 02:11 ص]ـ
أهلا حبيبنا د. محمد القرشي
لك إطلالة متميزة بما وهبت من أدب وعلم فنفع الله بك العربية وأهلها.
وإن يكن من تعقيب فهو متعلق بقول البغدادي العلامة اللغوي المتميز بشأن أبي علي الفارسي. وهنا وقفة تشعرنا أن ما من أحد زويت له دقائق لغة عمرت طوال قرون وأنّ المتعلم لن يزايل مرحلة التلقى حتى يلقى ربه. وإن من الغريب أن يقال عن الفارسي ما قيل. ولعل البغدادي قد اعتمد على نقل ابن هشام فلم يطلع على الأصل ولعل ابن هشام اطلع على نسخة وقع فيها تحريف ناسخ فاتهم بذلك الفارسي. على أن الوهم قد وقع للفارسي في تفسيره للبيت على وضوحه وهو أمر يقع لغيره وهذا تلميذه ابن جني تعقبه ابن معقل وغيره في فهمه وشرحه للمتنبي. أما البيت كما هو في البغداديات المنشورة (443) فلا تحريف فيه فهو كما رواه البغدادي.
ـ[أبو لين]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 02:26 ص]ـ
ما أروع ما سطرته أناملك! دكتورنا الفاضل بارك الله فيك ورعاك.
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 02:45 ص]ـ
جزاك الله خيرا على هذه الفائدة الثمينة وما هي بأول فوائدكم شيخنا محمد القرشي
من أعجب أمثلة هذه التحريفات التي تبع العلماء بعضهم بعضا فيها
واقعة رأيتها بعيني كنت مع شيخي أبي عبد الله حسين بن عكاشة وكان يحقق مجموع رسائل للحافظ ابن عبد الهادي فأتى على رسالته في شرح قصيدة في الحديث (غرامي صحيح)
يقول ابن عبد الهادي والغامض من الحديث ما يكون صورته صورة المتصل ولا يكون كذلك
مثاله ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين "الحديث
فهذا صورته صورة المتصل وهو منقطع في موضعين
لأن عبد الرزاق لم يسمع من الثوري وإنما سمعه من النعمان بن أبي شيبة عن الثوري ولم يسمعه الثوري أيضا من أبي إسحاق وإنما سمعه من شريك عن أبي إسحاق والله سبحانه أعلم. اهـ
المعروف والمشهور والصحيح أن لفظ الحديث ليس كما ذكره ابن عبد الهادي "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين " بل الصواب "إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف وإن وليتموها عمر فقوي أمين" فقلنا يا شيخنا لعله لعله سقط من النسخة أو وهم من ابن عبد الهادي رحمه الله فإذ بنا نجد السيوطي رحمه الله في تدريب الراوي يذكر في نفس المسألة هذا الحديث بنفس اللفظ الخطأ ولم يكن السيوطي في ذلك إلا ناقلا من النووي وكذا نقل النووي من ابن الصلاح ونقل ابن الصلاح من معرفة علوم الحديث للحاكم فالحاكم رحمه الله هو أول من ذكر هذا الحديث بهذا السقط وأظنه أيضا قي نفس المسألة ثم تبعه ونقل عنه كل هؤلاء العلماء الكبار دون أن ينتبهوا إلى هذا السقط في المتن وعذرهم أن المسألة تناقش الاتصال والانفصال في السند فانصب اهتمامهم إلى السند دون المتن
ومن الغريب أيضا أن اللفظ الصحيح للحديث قد أخرجه الحاكم نفسه في المستدرك
ـ[د/محمد القرشي]ــــــــ[01 - 08 - 2008, 04:32 ص]ـ
الإخوة الأفاضل: عبد العزيز العمار، أبو العباس المقدسي، محمد سعد، أبو لين، أبو سهيل.
أشكركم جميعًا على مروركم الكريم وحسن ظنكم بأخيكم وتعليقاتكم القيمة التي أثرت الموضوع، فدمتم لي إخوة أعزاء.
واسمحوا لي أن أخص أستاذي أبا أوس بمزيدٍ من الشكر على ثنائه وتعقيبه المميز كما عهدنا ذلك منه، وليسمح لي أستاذي الكريم بشيءٍ من الإضافة على تعقيبه.
ذكر البغدادي أن أبا علي حرَّف البيت في المسائل البغداديات وهو لم يعتمد على ابن هشام في حكمه هذا؛ لأن ابن هشام في المغني حين ذكر تخريج البيت لم يعزه لأبي علي الفارسي.
والظاهر أن البغدادي اطلع على كتاب أبي علي (البغداديات) لأنه نقل عنه في الخزانة نحو ثلاث صفحات في توجيه البيت.
وقد أورد أبو علي هذا البيت محرَّفًا أيضًا في (كتاب الشعر أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب) 1/ 133.
ولمحقق الكتاب د. محمود الطناحي - رحمه الله - في الحاشية كلامٌ نفيس عن البيت ونقلٌ عن البغداديات يؤيد ما ذكره صاحب الخزانة.
وفي الختام أكرر لك شكري أستاذي الفاضل
مع تحياتي للجميع.
¥