قلت: الذي جعلهم يعطون اسم الإشارة محلا إعرابيا هو أنهم وجدوه قابلا لأداء معاني النحو، على ما سأبينه لاحقا إن شاء الله.
قال أبو أوس:
وقد أجاءهم عدّ الإشارة اسمًا له محل من الإعراب إلى إعراب المشار إليه إعرابًا غير مقنع، فيعربونه إما نعتًا أو بدلاً فإذا قلت:"هذا الرجل كريم" أعربوا (هذا) مبتدأ و (الرجل) نعت له أو بدل منه. وليس هذا عندي مقبولاً لأن التوابع فضلات في اللفظ والمعنى فيمكن الاستغناء عن النعت أو البدل، وليس كذلك المشار إليه لأنه مراد في المعنى تلفظ به أو ترك لفظه.
قلت:
ظاهر هذا الكلام أنه يمكن الاستغناء عن الرجل في قولنا: هذا الرجل كريم، فنقول: هذا كريم، وليس الأمر كما فهمه أبو أوس، فثمّ فرق بين: هذا الرجل كريم، و: هذا كريم، بيانه أنك إذا قلت: هذا كريم، فمعنى ذلك أن بالحضرة مشارا إليه واحدا لا يعلم أهو رجل أم فتى أم طفل أخبر عنه المتكلم بأنه كريم، أما إذا قلنا: هذا الرجل كريم، فمعنى ذلك أن بالحضرة غير الرجل، كأن يكون معه فتى او امرأة أو غلام فاحتاج المتكلم أن يعين المشار إليه بأنه رجل، فقال: هذا الرجل، وذلك نحو أن تقول: زيد كريم، فإذا كان ثمّ أكثر من زيد احتاج المتكلم أن يوضح فيقول مثلا: زيد الطويل كريم، وهنا أيضا احتاج المتكلم أن يوضح المشار إليه بالرجل، ولذلك عدّ سيبويه اسم الجنس بعد اسم الإشارة وصفا لأنه توضيح لاسم الإشارة كما أن الصفة توضح الموصوف وتمييزه عمن يشترك معه في بعض الصفات.
بعد هذا أقول:
أسماء الإشارة والأسماء الموصولة الضمائر وأسماء الاستفهام وأسماء الشرط وكل الأسماء المبنية لها محل من الإعراب، وتشترك كلها في أنها أسماء مبهمة تحتاج إلى ما ينضم إليها لتحديد مدلولها، والدليل على أنها أسماء أنها تؤدي معاني النحو في الجملة فمنها ما يأتي مبتدأ وخبرا وفاعلا ومفعولا ومضافا إليه .. ويستقل بها الكلام دون الحاجة إلى تقدير مدلولها، فعندما نقول: جاء هذا، لا حاجة لأن نقول المشار إليه محذوف وهو الفاعل، وإنما قام اسم الإشارة مقام المشار إليه وأدى وظيفة الفاعلية، كما إذا قلنا: جاء الذي أعرفه، كان الذي هو الفاعل، ولا نقول: الفاعل محذوف، والتقدير: جاء الرجل الذي أعرفه، لأن مثل هذا التقدير غير دقيق بل غير صحيح لجواز أن يكون المحذوف طفلا لا رجلا، ومثل ذلك الضمائر، هي التي تقوم مقام ما ترجع إليه، فعندما نقول: زيد أكرمته، فإن الهاء تقوم مقام زيد في المفعولية، ولا حاجة لأن نقول: الضمير لا محل له من الإعراب ومرجعه (زيد) هو المفعول به، والتقدير: زيد أكرمته زيدا.
أرجو أن يكون فيما قدمت إجابة لكثير من تساؤلات الإخوة الكرام.
مع التحية الطيبة.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[17 - 09 - 2008, 12:32 ص]ـ
الفكرة الوحيدة التي خطرت ببالي للخروج من هذا الإشكال هي تصور أن أسماء الإشارة ليست أسماء, بل هي ضمائر إشارة. هذه الفكرة بصراحة هي وليدة مقارنة بلغات أخرى ولا أدري إمكان تطبيقها على العربية, ولكن لا مانع من أن نتطارحها.
إذا اعتبرنا أنها ضمائر, بدليل أنها تتغير حسب جنس المشار إليه وعدده, فإنه لا يمكن أن لا يكون لها محل من الإعراب.
فقولنا:
هذا رجل كبير: \هذا\ ضمير إشارة في محل مبتدإ
هذا الرجل كبير: \هذا\ ضمير إشارة في محل مبدل منه
هذا الرجل الكبير: \هذا\ ضمير إشارة في محل مبدل منه
والفكرة ما زالت تختمر.
تمام حسان في كتابه العربية مهناها ومبناها سماها ضمائر إشارة ولكن لا أهمية للتسمية.
ـ[د. بهاء الدين عبد الرحمن]ــــــــ[17 - 09 - 2008, 02:05 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبعد
فقد سبق للدكتور أبي أوس وفقه الله أن طرح هذا الرأي، وكنت عزمت أن أخصص لمناقشته نافذة مستقلة، لكن الشواغل أبعدها الله أبعدتني عن الفصيح، وقد سبقني الدكتور فخصص للموضوع نافذة مستقلة، فله الشكر الجزيل.
قبل أن أعرض ما أراه الصواب في هذا الأمر أتوقف عند بعض عبارات أخينا أبي أوس، فمثل هذه القضايا الاجتهادية تحتاج إلى دقة في التعبير، وتحتاج إلى تحديد واضح للمصطلحات المستعملة.
قال أبو أوس:
قلت: الإعراب عند النحويين إما معنى وهو تغيّر أواخر بعض الكلم لبيان مقتضى العامل، ولهذا التغير علامات، أو لفظ وهو ما جيء به لبيان مقتضى العامل كما قال ابن مالك من حركة أو حرف أو حذف أو سكون.
¥