ولا أعلم للإعراب في اصطلاح النحويين معنى آخر غير هذين.
قال أبو أوس:
قلت: لا أعلم أن هذا من معاني الإعراب، وإنما أعلم أن من علامات الاسم أن يكون محلا لتوارد معاني النحو من فاعلية أو مفعولية أو إضافة، فإذا كان اللفظ غير قابل لتوارد هذه المعاني فليس باسم، فهو إما أن يكون حرفا أو فعلا، ولكون الأسماء محلا لتوارد هذه المعاني أعربت، فالإعراب إنما هو لإظهار معاني النحو، اي المعاني المقتضية للإعراب، وقد تكون الألفاظ المبنية أيضا محلا لتوارد هذه المعاني وإن كانت لا تظهر عليها علامات الإعراب لأنها صالحة لأداء معاني النحو. فثمّ فرق بين الإعراب وبين المعنى المقتضي للإعراب، أو بين الإعراب وبين المعنى النحوي الذي تكتسبه الكلمة في التركيب المفيد.
قال أبو أوس:
قلت: هذا كأنه تكرار لما سبق، فقد تحدث عن اللفظ من حيث بناؤه وإعرابه، وتحدث عن كونه ذا محل إعرابي كونه بلا محل.
قال أبو أوس:
قلت: يفهم من هذا أن كون هذه الألفاظ مبنية توجب ألا يكون لها محل من الإعراب، وهذا خطأ، فالبناء لا يوجب للفظ انتفاء المحل الإعرابي، لأن المبني قد يؤدي معنى نحويا في الجملة من فاعلية أو مفعولية أو إضافة، ولو قلنا بهذا لوجب نفي المحل الإعرابي عن جميع المبنيات وهذا لا يصح في الواقع اللغوي مطلقا.
قال أبو أوس:
قلت: يفهم من هذا أن ما لم يدل على ذات أو جنس أو حدث بشكل مباشر فليس باسم، وهذا أيضا خطأ. فالاسم عند النحويين هو ما صح الإسناد إليه، وما صحت الإضافة إليه، أو هو ما صح أن يؤدي معنى الفاعلية أو المفعولية أو الإضافة, وهذا متحقق في أسماء الإشارة.
ولو سلمنا أن الاسم هو ما دل على ذات أو معنى فإن اسم الإشارة يدل على ذات مبهمة أو معنى مبهم، فإذا قلنا: هذا، دل هذا اللفظ على ذات أو معنى يتحدد من خلال السياق، وليس خاليا من الدلالة على الذات أو المعنى.
قال أبو أوس:
قلت: الذي جعلهم يعطون اسم الإشارة محلا إعرابيا هو أنهم وجدوه قابلا لأداء معاني النحو، على ما سأبينه لاحقا إن شاء الله.
قال أبو أوس:
قلت:
ظاهر هذا الكلام أنه يمكن الاستغناء عن الرجل في قولنا: هذا الرجل كريم، فنقول: هذا كريم، وليس الأمر كما فهمه أبو أوس، فثمّ فرق بين: هذا الرجل كريم، و: هذا كريم، بيانه أنك إذا قلت: هذا كريم، فمعنى ذلك أن بالحضرة مشارا إليه واحدا لا يعلم أهو رجل أم فتى أم طفل أخبر عنه المتكلم بأنه كريم، أما إذا قلنا: هذا الرجل كريم، فمعنى ذلك أن بالحضرة غير الرجل، كأن يكون معه فتى او امرأة أو غلام فاحتاج المتكلم أن يعين المشار إليه بأنه رجل، فقال: هذا الرجل، وذلك نحو أن تقول: زيد كريم، فإذا كان ثمّ أكثر من زيد احتاج المتكلم أن يوضح فيقول مثلا: زيد الطويل كريم، وهنا أيضا احتاج المتكلم أن يوضح المشار إليه بالرجل، ولذلك عدّ سيبويه اسم الجنس بعد اسم الإشارة وصفا لأنه توضيح لاسم الإشارة كما أن الصفة توضح الموصوف وتمييزه عمن يشترك معه في بعض الصفات.
بعد هذا أقول:
أسماء الإشارة والأسماء الموصولة الضمائر وأسماء الاستفهام وأسماء الشرط وكل الأسماء المبنية لها محل من الإعراب، وتشترك كلها في أنها أسماء مبهمة تحتاج إلى ما ينضم إليها لتحديد مدلولها، والدليل على أنها أسماء أنها تؤدي معاني النحو في الجملة فمنها ما يأتي مبتدأ وخبرا وفاعلا ومفعولا ومضافا إليه .. ويستقل بها الكلام دون الحاجة إلى تقدير مدلولها، فعندما نقول: جاء هذا، لا حاجة لأن نقول المشار إليه محذوف وهو الفاعل، وإنما قام اسم الإشارة مقام المشار إليه وأدى وظيفة الفاعلية، كما إذا قلنا: جاء الذي أعرفه، كان الذي هو الفاعل، ولا نقول: الفاعل محذوف، والتقدير: جاء الرجل الذي أعرفه، لأن مثل هذا التقدير غير دقيق بل غير صحيح لجواز أن يكون المحذوف طفلا لا رجلا، ومثل ذلك الضمائر، هي التي تقوم مقام ما ترجع إليه، فعندما نقول: زيد أكرمته، فإن الهاء تقوم مقام زيد في المفعولية، ولا حاجة لأن نقول: الضمير لا محل له من الإعراب ومرجعه (زيد) هو المفعول به، والتقدير: زيد أكرمته زيدا.
أرجو أن يكون فيما قدمت إجابة لكثير من تساؤلات الإخوة الكرام.
مع التحية الطيبة.
أضيف بعدما انتهى وقت التعديل:
سوّى سيبويه بين أسماء الإشارة والضمائر في كونها أسماء مبهمة، وذلك في معرض حديثه عن الحال في نحو: هذا زيد منطلقا، وهو زيد شجاعا.
وجميع المبهمات عند سيبويه مبنية وسبب بنائها أنها أشبهت أسماء الأصوات، وأسماء الأفعال عنده محمولة على أسماء الأصوات، وأسماء الأفعال حكمها حكم الأفعال لا محل لها من الإعراب لأنها ليست محلا لتوارد معاني النحو.
مع التحية الطيبة.
ـ[ضاد]ــــــــ[17 - 09 - 2008, 02:14 ص]ـ
بوركت دكتورنا الفاضل. لم أفهم الإبهام في السياق الذي ذكرته. أهو إبهام معجمي أم سياقي؟ الذي أعرفه أن الضمائر معرفة بالضرورة لأنها تحل محل معروف في الكلام, وإن لم يكن معروفا فالكلام فاقد لمعناه لدى السامع.
¥