ماذكره سيبويه ليس اجتهادا شخصيا منه في بيان معنى (إن) هنا وإنما هو نقل لمعنى (إن) عند العرب في الجواب، كما ينقل اللغوي عن العرب معنى أي كلمة كأن يقول اللغوي: العراضة: الهدية يهديها الرجل القادم من سفر. فهل يحق لنا بعد ذلك أن نقول للغوي الذي روى هذا المعنى: هذا اجتهاد منك لا نقبله.
أما وصفك القول بأنه شيء اخترعه النحويون بالهذر فغريب كل الغرابة ففهم بعض النحاة مرادفة إن للحرف نعم قول نحوي قاله النحويون فهم ابتدعوه واخترعوه، ومن يقول هذا يمكن أن يكون جادًا في قوله وليس يهذر أو يلغو.
بل الغريب أخي الكريم أن تدافع عن قول قيل بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، ذلك أن قائله قال إن النحويين ربما ابتدعوا القول بمرادفة إن لنعم لأجل تخريج الرفع في الآية الكريمة، فهل تظن أخي الكريم بالنحاة هذا الظن، وبعد أن بينت لك أن النص على مرادفة إن لأجل ليس اجتهادا من سيبويه أظنك ستوافقني أن قول من يقول إن النحويين اخترعوا هذا المعنى لإن هذربل هذيان.
أستاذنا د. الأغر نقدر لك حبك لسيبويه وغيره من النحويين ونحن نحبهم ونقدرهم ولكن هذا لا يمنعنا من مخالفتهم أصبنا أو أخطأنا فنحن وهم بشر نصيب ونخطئ.
أخي الكريم .. إنني والله أول الداعين إلى إعمال الفكر والاجتهاد، ولا أدعو إلى التقليد الأعمى أبدا، ودائما أحث طلابي وطالباتي على اتباع المنهج التحقيقي في كل البحوث والدراسات، والاختلاف في الرأي أمر لا يمكن إنكاره، ولكني دائما أبحث في أدلة المجتهدين فإن كان اجتهادهم مبنيا على دليل قوي أخذت به وإلا طرحته.
على أنه يجب أن نعلم أن مثل الخليل وسيبويه رووا عن العرب مباشرة وكانوا أدرى بمقاصد العرب من كلامها، فتفسيرهم للتراكيب وروايتهم لمعانيها هو الأساس الذي يجب أن تبنى عليه الدراسات، وأي طعن في هذا الأساس هدم وتخريب.
مع خالص ودي أخي المفضال، ولكم الشكر على أن فتحتم باب الحوار، وأرجو ألا تسيء الظن بأخيك فأنا أيضا أجتهد وقد أخطئ وقد أصيب والتوفيق والتسديد من الله.
اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وعيدكم مبارك .. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[29 - 09 - 2008, 02:58 م]ـ
أستاذنا د. الأغر
كل عام وأنتم بخير.
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[29 - 09 - 2008, 04:09 م]ـ
كنت عددت (إنّ) في قوله تعالى ?إنَّ هذان لساحران? مهملة غير عاملة، ولم أكن أعلم أني قد سبقت إلى هذا القول حتى راجعت كتاب الأستاذ الدكتور أحمد مكي الأنصاري (الدفاع عن القرآن ضد النحويين والمستشرقين) فقد عقد فصلا طويلاً (ص56 - 103) بحث فيه إعراب الآية الكريمة، ورأيت أن أنقل إلى أحبابنا طرفًا من ملحوظاته الرائعة لينسب القول لأهله وليتعلم من يتوهم أنه أوتي الحجة أن مجال القول واسع. قال في ص58:
"عمل (إنّ):
1 - تنصب الاسم وترفع الخبر وهذا هو الرأي المشهور.
2 - تنصب الجزأين معًا (1) كقول الشاعر (إن حراسنا أسدا) (2).
3 - ترفع الجزأين معًا –وهو الذي اختاره أستاذنا المرحوم إبراهيم مصطفى استنادًا إلى هذه الآية (3)، وإلى حديث نبوي شريف (4)، وإلى بعض الأشعار (5) تطبيقًا للنظرية القائلة: إن الضمة علم الإسناد (6) وإن الفتحة ليست علامة إعراب (7). كما أن سيبويه ذكر هذه اللغة في الكتاب حيث قال: "وروى الخليل أن ناسًا يقولون (إنّ بك زيدٌ مأخوذٌ) (8).
وقال في ص66 تحت عنوان تعقيب:
"وهناك ملحظ آخر، وهو أن هذا المثال الذي رواه الخليل عن العرب فيه دلالة واضحة على أن بعض العرب يرفع الجزأين بعد (إنّ) فلا تعمل النصب في الاسم كما هو معروف ... لكن هذه اللغة قليلة ... ولذلك قال سيبويه "والنصب أكثر في كلام العرب" (9).
ومهما يكن من شيء فإنها لغة يمكن أن يستند إليها أستاذنا المرحوم إبراهيم مصطفى- وقد فعل ... حين قال: "الضمة علم الإسناد (10)، والفتحة ليست علم إعراب" (11) لكن النحاة البصريين –وعلى رأسهم الخليل بن أحمد- قد نغصوا عليه هذه الفرصة الذهبية ... وأخذوا يتأولون، ويخرجون هذا الشاهد بما يتفق مع القاعدة التي وضعوها ... فقدروا اسم (إنّ) ضميرًا محذوفًا كما رأيت".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي ص134 - الطبعة الأولى سنة 1327ه.
¥