فقوله: ((عملاً)) نكره في سياق الشرط فيعم كل عمل يكون تارة موافقاً وتارة مخالفاً، وهذا احتراز من العمل الذي لا يقع إلا على وجه محرم فقط كالظهار، فإنه يعمل به وإن لم يكن عليه أمر الله ورسوله، فإذا وقع – يعني العمل الذي يوافق تارة ويخالف تارة – على الوجه الذي ليس عليه أمر الله ورسوله فهو رد، والطلاق من الأعمال.
فإن قيل: هذا يقتضي أنه إذا جمع الثلاث بأي صيغة فإن الطلاق لا يقع أصلاً؛ لهذا الحديث.
فالجواب: أن الأحاديث دلت على وقوع الطلاق واحدة – كحديث ابن عباس وحديث ركانة – اعتباراً بأصل الطلاق وإلفاءً للوصف المحرم.
سابعاً: قوله – صلى الله عليه وسلم –: ((كل شرط ليس في كتاب فهو باطل، وإن كان مئة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق))، أخرجه البخاري برقم (2168)، ومسلم، برقم (1504).
فإن قلنا: إن الحديث يعم كل ما التزم به الإنسان وألزم به نفسه، فإنه يشمل العقود، والفسوخ، والشروط التي يشترطها أحد المتعاقدين، ومن الفسوخ الطلاق، فإنه فسخ وحل لقيد الزوجية أو بعضه، وإن قلنا: إن الشروط هنا خاصة بما يشترطه أحد المتعاقدين، فإنه يقاس عليها العقود، والفسوخ قياساً جلياً، لا تفاقهما في العلة، وهي وقوع ذلك على وجه لا يوافق كتاب الله.
فإن قيل: إذا نوى الثلاث بهذا اللفظ: ((أنت طالق، وطالق، وطالق)) وأرادها فهل يقع كما نواه؟
فالجواب: بأن ذلك مشروط بموافقة الشرع، فإذا خالف الشرع فهو مردود، فلا بد هنا إن تكون الطلقة الثانية بعد رجعة صحيحة، والمرأة مستقبلة للعدة، وهكذا الطلقة الثالثة، فكما أنه إذا طلقها وهي حائض لا يقع الطلاق على الصحيح – مع أنه قد نواه وأراده فكذلك هنا لمخالفة الشرع في المسألتين، فإذا وجد ما نع، أو فات شرط، فلا طلاق، حتى وإن كرره ونواه.
ثم بعد ذلك نقول: إن الله إذا حرم الشي فإن المقصود به عدم إيجاده وعدم تصحيحه، إن كان له حكم بصحة وفساد، فإذا نفذنا الطلاق الثلاث مع قولنا بتحريمها، فنخشى أن يكون هذا خلاف مقصود الشارع، لأن تنفيذه إيجاد له، والمقصود من التحريم خلاف ذلك.
بهذا يتضح لنا جلياً: أن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، سواءً كان بكلمة واحدة، أو بكلمات، وأنه لا فرق بين الصورتين، هذا ما اختاره شيخ الإسلام (4) – أعلم أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد فقهاء الصحابة رضي الله عنهم – وتلميذه العلامة ابن القيم (5)، والعلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي (6) (7) وتلميذه العلامة الشيخ محمد بن عثيمين (8) – رحمة الله على الجميع – والله أعلم.
وإلى هنا انتهى ما أردناه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر مجموع الفتاوى 33/ 7 – 98، 130، 156.
(2) انظر إغاثة اللهفان، ط. المعرفة، 1/ 283 – 338، وزاد المعاد، ط. الرسالة، 5/ 247 – 271، والإعلام، ط. الجيل، 3/ 30 – 50، وتهذيب السنن، ط. المعرفة، 3/ 124 – 128.
(3) انظر رسالته في الطلاق الثلاث، مخطوط، وشرحه للزاد والبلوغ المسجل عن طريق الأِشرطة.
(4) انظر هامش (1).
(5) انظر هامش (2).
(6) انظر المختارات الجلية، ط. مركز ابن صالح، صـ 173 – 174 ـ، والأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة، وهي الرسائل الشخصية العلمية المرسلة من الشيخ / عبد الرحمن بن ناصر السعدي إلى تلميذه الشيخ / عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، ط. دار المعالي، ودار ابن الجوزي صـ 93 ــ.
(7) قال العلامة الشيخ / محمد بن عثيمين: كان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي – رحمه الله – يفتي بذلك سراً ا. هـ
(8) انظر هامش (3).
http://www.olamaashareah.net/nawah.php?tid=870
http://www.al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=252&CID=609
ـ[ضاد]ــــــــ[01 - 10 - 2008, 06:07 م]ـ
أهلا بالأستاذ ضاد كل عام وأنت بخير ...
حقيقة أنا شبه جاهل بالأمور الفقهية وما جئت به منطقي جدا وأول مرة أسمع بهذا الحكم ...
كل عام وأنت بخير. لا تأخذ بقولي بل ارجع إلى العلماء. علمني الله وإياك ونفعنا بما علمنا.
ـ[أبو العباس المقدسي]ــــــــ[01 - 10 - 2008, 06:18 م]ـ
كم أنا فخور بانتسابي إلى شيخي ومعلّمي شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية رحمه الله!:)
ـ[ابن القاضي]ــــــــ[01 - 10 - 2008, 07:53 م]ـ
اتفقت المذاهب الأربعة المعمول بها في عامة بلاد الإسلام على أنّ الطلقات الثلاث في مجلس واحد يعتبر طلاقا بائنا، ولا تحل به المرأة حتى تنكح زوجا غيره، وهو المعمول به في بلاد الحرمين التي التزمت بتطبيق معتمد مذهب الإمام أحمد في القضاء، ولهذا كان الشيخ السعدي يفتي به سرا، كما كان يفتي به شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم سرا، حينما منعهما السلطان والقضاة من الإفتاء به. لأن حفظ الفروج والتحوط في أحكامها واجب لا يجوز التساهل فيه.
على كل حال ليس هذامحل إيراد الأدلة من الكتاب والسنة وعمل الصحابة وقضاء الخليفة الراشد عمربن الخطاب رضي الله عنه.
لكن الذي شدني في هذه النافذة، قراءة هذه الفتوى التي هي من أعجب ما قرأت من الفتاوى.
بوركتم. الذي أعلمه أن الأولى تقع, والثانية والثالثة لا تقعان لأنهما ليس قبلهما زواج, أي بعد وقوع الأولى يجب رد الزوجة حتى تحق الثانية,.
فما تركتم اللغة لأهلها حتى اجترأتم على الشريعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
¥