تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[رواية المبتدع بين التأصيل والإستعمال]

ـ[أبو الحسين الحسيني]ــــــــ[18 - 05 - 10, 02:54 م]ـ

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.

أما بعد: فقد جاء هذا البحث نتيجة لتجاذب الأطراف المتنازعة في رواية المبتدع وهجر المبتدع والإعراض عنه؛ أما هجر المبتدع والإعراض عنه فليس هذا محل بحثنا الآن، وإن كنت أجزم بالتفريق بين الرواية عنه وبين هجره، ثم لما رأيت في الصحيحين بعض الرواة المتكلم فيهم من جهة البدعة زادني ذلك همة في إنشاء هذا البحث المتواضع فتوكلت على الذي لا يتوكل إلا عليه فشرعت به وأسميته " رواية المبتدع بين التأصيل والتنزيل أو قل بين التأصيل والاستعمال".

فأقول: قد اختلف العلماء في الرواية عن الراوي المبتدع كالمرجئ والقدري والخارجي وغيرهم: وفي الاحتجاج بما يروونه على أقوال:

الأول: يرى جمع من أهل العلم أن رواية أهل البدع لا تقبل مطلقاً وذلك لأنهم إما كفار أو فسّاق بما ذهبوا إليه، وكل من الكافر والفاسق مردود الرواية وهذا القول مروي عن الإمام مالك (الكفاية ص 194، والمدخل للحاكم ص 96) والقاضي أبي بكر الباقلاني (المستصفى 2/ 160) , واختاره الآمدي (الأحكام 2/ 83، ومنتهى السول 1/ 80)، وجزم به ابن الحاجب (مختصر ابن الحاجب 2/ 62 - 63). وأيّد هذا الرأي بأن في الرواية عن المبتدع ترويجاً لأمره وتنويهاً بذكره. وقد رد ابن الصلاح في (علوم الحديث ص 104) هذا الرأي وقال: إنه مباعد للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة.

القول الثاني: يرى بعض العلماء التفصيل، فإن كانت البدعة صغرى قُبل وإلا فلا، وبهذا قال الذهبي معلّلاً بأنه لو ردت مرويات هذا النوع - يعني من كانت بدعته صغرى - لذهب جملة من الآثار النبوية وفيه مفسدة بيّنة؛ لأن هذا النوع كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق.

القول الثالث: تفصيل أيضاً: وهو إن كان المبتدع داعية إلى مذهبه لم يقبل وإلا قبل إن لم يرو ما يؤيد بدعته وهو مذهب أكثر العلماء، ونسبه الخطيب البغدادي للإمام أحمد بن حنبل (الكفاية ص 195). وهذا القول رجحه الأستاذ محمد الأعظمي لكنه استدل له بأبحاث لبعض علماء النفس تفيد أن المتعصبين لمذاهب متطرفة قد يكذبون بطريقة لا شعورية وأن هذا يؤكد صواب مذهب المحدثين الذين لم يقبلوا رواية المبتدع الداعي إلى بدعته إذا كان الحديث يؤيد بدعته (أنظر: رساله الجرح والتعديل عند المحدثين للشيخ رضا أحمدصمدي "ص24"). وقد رد الشيخ رضا ذلك بقوله" هذا استدلال متهافت جدا، لأن أبحاث علم النفس مازالت غير مجمع على حجيتها في محيط الدراسات الإنسانية بسبب نسبيتها الشديدة وتعقد معطياتها التي تفقد نتائجها سمة الحتمية والقانونية، فكيف نستجيز أن نستدل أو حتى نستأنس بها في تصحيح أو تأييد مسالك في علم نقد الرجال الذي تميز بشفافية شديدة وأخلاقية صارمة. ثم إن الدراسات المذكورة أجراها أصحابها كما قال الأستاذ الأعظمي على أصحاب المذاهب المتطرفة التي تحجرت اتجاهاتها على احتقار أجناس وطوائف معينة من البشر، ونحن لا نعرف بالتحديد نوعية تلك المذاهب المتطرفة، ولكنها – على الجزم – تختلف في دينها وأخلاقياتها واتجاهاتها عن مبتدعة الملة الإسلامية، وهذا التفاوت اليقيني كاف في دفع الاستدلال وفساده. ونقل ابن حبان الاتفاق على هذا القول حيث قال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي من الثقات (الثقات 6/ 140): وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كانت فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز، فإذا دعا إليها سقط الاحتجاج بأخباره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير