تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلتُ: هذه المسألة بحاجة إلى تنقيب دقيق لاستيعاب الأحاديث التي احتجّ بها البخاريّ وضعّفها العقيلي. فمنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه (6069، باب ستر المؤمن على نفسه): حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلّ أمتي معافى إلا المجاهرين. وإنّ مِن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله عليه. فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)). اهـ

قال العقيلي في ضعفائه (1643، 4/ 88 فما بعد): ((وقد رَوى ابنُ أخي الزهريّ ثلاثة أحاديث لم نجد لها أصلاً عند الطبقة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. منها: ما حدّثنا عبد الله بن علي: حدثنا محمد بن يحيى النيسابوريّ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد: حدثنا ابن أخي ابن شهاب، عن عمه قال: سمعتُ سالم بن عبد الله قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلّ أمتي معافى إلا المجاهرين .... إلخ". حدثناه عبد الله بن محمد العمري والحسن بن عليّ بن زياد، إلا أنه قال: [هنا يلتقي إسناد العقيلي مع إسناد البخاري] حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأوسي: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: "كلّ أمتي معافى إلا المجاهر" وذكر نحوه)). ثم قال بعد إيراد الحديثين الآخرين: ((وهذه الثلاثة أحاديث لم يتابِع ابنَ أخي الزهري عليها أحد)). اهـ

ومنها: ما أخرجه البخاريّ في صحيحه (3464، حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل): حدثني أحمد بن إسحاق: حدثنا عمرو بن عاصم: حدثنا همّام: حدثنا إسحاق بن عبد الله قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة: أنّ أبا هريرة حدثه: أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم. (ح) وحدثني محمد: حدثنا عبد الله بن رجاء: أخبرنا همّام، عن إسحاق بن عبد الله قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي عمرة: أنّ أبا هريرة رضي الله عنه حدثه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى بدا لله عز وجلّ أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً ... إلخ)).

قال العقيلي في ضعفائه (1980، 4/ 371) بعد أن ساق هذا الحديث عن البخاريّ رحمه الله بإسناده: ((حدثنا جعفر بن أحمد: حدثنا أحمد بن جعفر المقري: حدثنا النضر بن محمد: حدثنا عكرمة بن عمار: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال: "كان ثلاثة في بني إسرائيل" فذكر مثله. حدثنا محمد بن إدريس قال: حدثنا الحميدي: حدثنا سفيان: حدثنا عمرو بن دينار: أنه سمع عبيد بن عمير يقول: "كان ثلاثة ... إلخ". قال أبو جعفر العقيلي رحمه الله: وهذا أصل الحديث مِن كلام عبيد بن عمير وقصصه كان يقصّ به)). اهـ

قلتُ: فكلا الحديثين ساقهما العقيليّ من طريق البخاري وردَّهما، وجزم بأنه ليس لهما أصل عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومَن كان على هذه الدرجة مِن النقد، كيف يناقض نفسه ويقول: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة"!

- وفيما يخصّ حال مسلمة، تقول: ((ولكن كيف نتعامل معه، وأمامنا ما يلي: عدم النكارة في النص حتى يرد)).

قلتُ: بل النكارة في هذا النصّ واقعة في غير ما شيء. أنه عرَضَ كتابه كاملاً على كلّ واحد مِن هؤلاء الأئمة، وأنّ كلّ واحد مِن هؤلاء امتحنه، وأنّ كلّ واحد مِن هؤلاء صحَّح جميع أحاديثه إلا أربعة أحاديث، وأنّ العقيلي صحَّح هذه الأربعة فصار جميعُ ما أخرجه البخاريُّ في كتابه صحيحاً عند العقيلي. وكلُّ هذه الأمور تفرَّد بحكايتها مسلمة بن قاسم! وكلام أئمة النقد والعلل يردُّه.

أجزل الله لك المثوبة وجمعنا في مستقرّ رحمته وأعاننا على طاعته

ـ[أبو محمد الشربيني]ــــــــ[23 - 07 - 10, 05:21 ص]ـ

ـ أما الحديث الأول: فليس هذا بإعلال، وراجع معنى (لا يتابع عليه).

ـ والحدبث الثاني: نعم هذا إعلال، وبغض النظر عن أمور كثيرة، هل هذا مما انتقده هؤلاء الأربعة؟

ـ[أحمد الأقطش]ــــــــ[23 - 07 - 10, 10:36 م]ـ

أما الحديث الأول: فليس هذا بإعلال، وراجع معنى (لا يتابع عليه).

إذا قال الناقد: هذا الحديث لم نجد له أصلاً، وراويه ضعيفٌ لم يُتابَع عليه. فهل في هذا قبولٌ للحديث أم ردٌّ له؟ أعتقد أنّ إعلال العقيلي لهذا الحديث بيِّنٌ، وقد أعلّه مِن قبلُ محمد بن يحيى الذهلي.

وبغض النظر عن أمور كثيرة، هل هذا مما انتقده هؤلاء الأربعة؟ أنت بهذا تُسلِّم أنهم عُرض عليهم كتاب البخاريّ فعلاً وامتحنوه، وتتساءل عن الأحاديث التي قال مسملة بن قاسم أنهم ضعَّفوها. لكنني أقول لك إنّ عدم ثبوت القصة في حدّ ذاتها يُسقط هذا التساؤل لاستناده إليها!

أضِفْ إلى ذلك أنّ العقيليّ - جدلاً أنه قال ذلك - إنما أرسلَ الحكاية ولم يُسنِدْها، فقال: ((لمَّا ألَّف البخاريُّ كتابه الصحيح، عرضه على ... إلخ)). فهل شَهِدَ العقيليُّ هذا العرض والامتحان مِن هؤلاء الأئمة؟ طبعاً لا إذ لم يكن معاصراً لهم. فهذه الحكاية تالفة الإسناد، حدَّث بها مسلمة عن راوٍ مبهم غير معلوم ونسَبها إلى العقيليّ وهو لم يعاصرها! بل وفوق هذا فقد ضعَّف العقيليُّ نفسُه بعضَ أحاديث البخاريّ في ضعفائه! ولذلك فلا يمكن "غض النظر عن أمور كثيرة"، لأن هذه الأمور هي التي تمحِّص الأقاويل وتحقِّق الوقائع وتدقِّق في القرائن.

والله أعلى وأعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير