الثاني: أن يكون الشيخ كان يعني في التصحيح تلك الأحاديث التي ورد في الرواية احتجاج سعد بن أبي وقاص بها ومنها حديث (من كنت مولاه فهذا علي هو مولاه). وهذا هو الراجح والله أعلم. فإنه لما صحح الرواية أحال على صحيحته (4/ 335) وفي هذه الصفحة من صحيحته كان يبحث صحة إسناد هذا الحديث فلعله كان يصحح الحديث دون قصة سعد مع معاوية. أهـ
ـ[الشريف باسم الكتبي]ــــــــ[13 - 11 - 09, 10:48 م]ـ
قال الإمام مسلم (2404): حدثنا قتيبة بن سعيد , ومحمد بن عباد (وتقاربا في اللفظ) قالا: حدثنا حاتم (وهو: ابن إسماعيل) عن بكير بن مسمار , عن عامر بن سعد بن أبي وقاص , عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً , فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب؟ فقال: أمَّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه ,لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له خلفه في بعض مغازيه فقال له علي: يارسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لانبي بعدي)) وسمعته يقول يوم خيبر ((لأعطين الراية رجلا ً يحب الله ورسوله , ويحبه الله ورسوله)). قال: فتطاولنا لها , فقال ((ادعو لي علياً)). فأُتي به أرمد , فبصق في عينه , ودفع الراية إليه , ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الأية: (((فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم))) دعا رسول صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً , فقال: ((اللهم هولاء اهلي)).
قلت:أخرجه البخاري بمعناه (3703) , وابن ماجه (121) , والترمذي (4058) من طريق عامر بن سعد , وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ,وقال ابن حجر في الإصابة (2/ 1296): سنده قوي , وقال الألباني وشعيب صحيح , والنسائي في االكبرى (8342) , وبمعناه (8343) والحاكم في المستدرك 3/ 108 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق , ووافقه الذهي على تصحيحه إلاأنه تعقبه بقوله: مسلم فقط.
وقال الإمام مسلم (2409) أيضاً: حدثنا قتيبة بن سعيد , حدثنا عبدالعزيز (يعني: ابن أبي حازم) عن أبي حازم , عن سهل بن سعد قال: استُعمل على المدينة رجل من آل مروان. قال: فدعا سهل بن سعد , فأمره ان يشتم عليا. قال: فأبى سهل , فقال له: أما إذ أبيت فقل: لعن الله أبا التراب , فقال سهل: ماكان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب , وإن كان ليفرح إذا دُعي بها , فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة , فلم يجد عليا ًفي البيت , فقال أين ابن عمك؟ فقالت: كان بيني وبينه شيء , فغاضبني , فخرج فلم يقِل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: ((انظر أين هو)). فجاء فقال: يارسول الله! هو في المسجد راقد , فجاءه رسول الله وهو مضطجع قد سقط رِداؤه عن شقه ,فأصابه تراب , فجعل رسول الله يمسحه عنه ويقول: ((قم أبا التراب , قم أبا التراب)).
قلت: أخرجه البخاري (3703) من طريق هشام بن عمار , في باب فضائل أصحاب النبي , بإختلاف بسيط في اللفظ, وابن حبان (6925) , من طريق هشام أيضاً , وقال شعيب حديث صحيح.
وقال الأمام أحمد (ت 241هـ) في المسند (26748): حدثنا يحيى بن أبي بكير , قال حدثنا إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن أبي عبدالله الجدلي , قال: دخلت على أم سلمة , فقالت لي: أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم؟ قلت معاذالله , أو سبحان , أوكلمة نحوها , قالت: سمعت رسوا الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سب علياً فقد سبني)).
قلت: أخرجه أبن أبي شيبة (32104) , والحاكم 3/ 121, من الطريق نفسه , وقال صحيح الإسناد , ووافقه الذهبي وأخرجة في تاريخ الإسلام 2/ 359,والطبراني في الثلاثة وأبو يعلى بمعناه (7013) , والألباني في الصحيحة (3332) , وقال شعيب: إسناده صحيح.
قلت: قال أبو العباس القرطبي (ت656هـ) في المفهم (6/ 272): قول معاوية لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسب أبا تراب. يدل على أن مقدم بني أمية كانوا يسبّون علياً وينتقصونه , وذلك كان منهم لما وقر في أنفسهم من أنه أعان على قتل عثمان, وأنه أسلمه لمن قتله , بناءً منهم على أنه كان بالمدينة , وأنه كان متمكناً من نصرته , وكل ذلك ظن كذب , وتأويل باطل غطى التعصب منه وجه الصواب.
وقال النووي (ت676هـ) في المنهاج (15/ 171): قوله (أن معاوية قال: لسعد بن ابي وقاص ما منعك أن تسب أبا تراب؟) قال العلماء: الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها؛ قالوا: ولايقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله , فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعداً بسبه , وإنما سأله عن السبب المانع له من السب؟ كأنه يقول: هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك؟ فإن كان تورعاً , وإجلالاً له عن السب , فأنت مصيب محسن , وإن كان غير ذلك , فله جواب آخر ......... )
وقال السندي (ت1138) عند شرحه لرواية ابن ماجه (121): قوله (فنال منه) أي: نال معاوية من علي ووقع فيه وسبه , بل أمر سعداً بالسب كما قيل في مسلم والترمذي , ومنشأ ذلك الأمور الدنيوية التي كانت بينهما, ولاحول ولاقوة إلا بالله , والله يغفر لنا ويتجاوز عن سيئاتنا.
قلت: تواترت الأخبار الصحيحة على سب بني أمية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام , وقد عرضنا أقوال الحفاظ الشارحين القرطبي , والنووي , والسندي , وقد أيدا القرطبي والسندي ما جاء في سب بني أمية لعلي بن أبي طالب , أما الحافظ النووي , فقد أقر بصحة الحديث , وأنه جاء من طرق الثقات , إلا أنه رحمه الله رد السب بالتأويل والإحتمالات وأولها بالرأي دون دليل , والله العالم.