ولما علم الإمام الشيخ عبدالحميد بن باديس بموقف أخيه الإمام الإبراهيمي ازداد إكباراً له، وإعجاباً به، وكتب إليه رسالة عام 1940 قبيل وفاته - أي ابن باديس - بثلاثة أيام، ما نصه:
((الأخ الكريم الأستاذ البشير الإبراهيمي - سلمه الله -
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد بلغني موقفكم الشريف الجليل العادل فأقول لكم: ((الآن يا عمر)) ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=77#_ftn7)[7])
فقد صنت العلم والدين، صانك الله وحفظك، وتَرِكَتَك، وعظَّمتها عظَّم الله قدرك في الدنيا والآخرة، وأعززتهما أعزك الله أمام التاريخ الصادق، وبيضت محُيََّاهما بيض الله محياك يوم لقائه، وثبتك على الصراط المستقيم، وجب أن تطالعني برغباتك، والله المستعان.
والسلام من أخيك عبد الحميد بن باديس)) ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=77#_ftn8)[8])
كما أنه قد زج به في السجن بعد أحداث مايو 1945، وبقي فيه عاماً كاملاً ذاق الأمرين في زنزانة تحت الأرض؛ حيث الظلمة، والرطوبة مما استدعى نقله إلى المستشفى العسكري بقسنطينة؛ فتحمَّل هذه المحنة بصبر المجاهد، ويقين المؤمن. ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=77#_ftn9)[9])
13. كان ذا شخصية فذة، فقد أوتي مواهب عديدة، فكان خطيباً مِصْقعاً، وشاعراً مُفْلِقاً، وكاتباً لا يكاد أحد يدانيه في وقته، يشهد له بذلك كل من عرفه، وقرأ له.
كما أنه ذو نفس مرهفة، وذو خلق عال، وأدب جم، ووفاء منقطع النظير.
يقول ابنه الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي: ((لقد سمعت الشيخ العربي التبسي - نائب البشير في جمعية العلماء رحمه الله - يردد كثيراً في مجالسه: إن الإبراهيمي فلتة من فلتات الزمان، وأن العظمة أصل في طبعه))
ثم يواصل الدكتور أحمد قائلاً: ((والعظمة في رأيي تكمن في القلب، والحقيقة أن الإبراهيمي كان عظيماً بعقله، ووجدانه، وبقلبه ولسانه؛ فكل من تقلب في أعطافه نال من ألطافه؛ فالقريب، والرفيق، والسائل والمحروم، والمريد والتلميذ يجد فيه الأب الشفيق، والأخ الصديق الذي لا يبخل بجهده، وجاهه وماله - وإن قل- لتفريج الكروب، وتهوين الخطوب.
وما تقرَّبتَ منه إلا ملك قلبك بحلمه، وغمر نفسك بكرمه قبل أن يشغل عقلك بعلمه، ويسحر لبك بقلمه.
وكانت الخصال البارزة فيه الإيثار، والحلم، والوفاء)) ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=77#_ftn10)[10])
14. وكان عالماً بالحديث وروايته؛ حتى إنه كان يعطي الإجازات في ذلك.
15.وكان مفسراً للقرآن في دروس عمومية، ودروس للطلبة الخواص، أتى فيها بإبداعات سجلتها عنه ذاكرة الرجال، ولو لم تجمعها المكتوبات.
16.وكان معلماً للتاريخ الإسلامي في براعة وتحليل، وسعة نظر؛ حيث تطرق إلى فلسفة التاريخ، وعلم الاجتماع، والأخلاق لينير التاريخ بمنظار الإسلام.
17.وكان - مع هذا كله - قدوة في سهولة المعاملة، والاتصال، بشوشاً، مرحاً في مجلسه، واسع الصدر في ممارسة المسؤوليات، متدفق الحيوية في الأنشطة الثقافية.
18.وكان - أيضاً - متميزاً بثقافة عصرية عالية.
يقول ابنه الدكتور أحمد: ((سألني في إحدى ليالي عام 1948م وأنا بقسم الفلسفة في خاتمة تعليمي الثانوي عن آخر درس تلقيته في علم النفس، فاخذ رأس الموضوع، وشرح لي آراء (وليم جامس) أحد مؤسسي المذهب العملي (البراجماتي)، وتحدث عن كثير من مفكري الغرب ممن لم أكن أسمع بهم قبل ذلك اليوم مثل: داروين، وجون لوك، وجون ستيوارات.
كما أوضح لي مساهمة العلماء المسلمين في كثير من الجوانب))) [11] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=77#_ftn11)[11])
19. وكان على جانب كبير من عزة النفس، والترفع عن الدنايا.
20.وكان شديد العناية بقضايا المسلمين في شتى البلدان، وعلى رأسها قضية فلسطين، وكذلك قضية كشمير، وقضايا المسلمين عموماً؛ فلقد كان يتابع تلك القضايا بدقة، ويكتب عنها ويسبرها.
ولم تشغله قضيته الأساس، وهي قضية تحرير الجزائر عن بقية قضايا المسلمين في كل مكان.
21.وخلاصة القول أن الله - عز وجل - قد فتح عليه أبواباً عظيمة من الخير من علم نافع، وعمل صالح، وخلق كريم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
¥