[كلمات في رثاء الشيخ راشد آل حفيظ،، رحمه الله .. بقلم (محمد المهنا)]
ـ[مصلح]ــــــــ[01 - 05 - 08, 09:07 م]ـ
(لله عمرك من قصيرٍ طاهرٍ)
كلمات في رثاء الشيخ راشد آل حفيظ -رحمه الله-
محمد بن سليمان بن عبدالله المهنا
21/ 4/1429
27/ 04/2008
رابط المقال في موقع الإسلام اليوم
*********
كان وقع خبر وفاة الشيخ القاضي راشد بن فهد آل حفيظ شديداً جداً، لا أقول على محبيه فحسب، بل على كل من بلغه نبأ وفاته
فالحمد لله على كل حال، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون ..
توفي الشيخ راشد أشد ما كان قوة، وأكمله شباباً، وأغزره علماً، وأوفره عطاءً.
توفي الشيخ راشد والأمة ترجوه فقيهاً مقبلاً جعل الله على لسانه وبيانه من الحلاوة البريئة ما يجذب إليه القلوب قبل الآذان ..
توفي الشيخ راشد فأثنى الناس عليه خيراً كثيراً، فأسأل الله الكريم الرحيم أن يوجب له بثنائهم ودعائهم الجنة، فالناس شهود الله في الأرض ..
كان رحمه الله من أحسن الناس خُلُقاً، فتلك البسمة التي كان يفترُّ بها محياه الجميل كانت علامة فارقة تلازمه وتميزه.
آه .. ما أحلى تلك الابتسامة على ذلك المحيا.
كان على قوته وجرأته حيياً كريماً، فإذا ورده أمرٌ محرجٌ غض طرفه وأغضى حياءً ..
كان رحمه الله محباً محبوباً، سليم القلب، عفَّ اللسان، ظاهر التواضع مؤثراً البساطة، متجافياً عن التكلف.
كان قاضياً عادلاً، ذا تصوُّن وتورُّع، حتى لقد قال لي مرة منتقداً نفسه:
إن أحد الخصمين إذا كان معرفةً لي، أو كنت قد دخلت منزله، أو أكلت ذبيحته
فإن نفسي تحدثني –بادئ الأمر- أن أحكم عليه؛ لئلا أحابيه على خصمه، ولولا أن الحق أحق أن يُتبع لمِلت مع من لا أعرف!!
وهذا مؤشر صدق وورع وتقوى، وعقل وتأن وبصر بالعواقب، ولا غرو فقد كان (راشداً) اسماً ومعنى ..
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب **** إلا ومعناه إن فتشت في لقبه
كان الشيخ راشد بمنأى من جعل منصبه سبيلاً إلى التصدر والمفاخرة والتطلع إلى نيل حطام الدنيا، ولقد سمعته يَعجب ممن يتخذ
وظيفته سلماً إلى ما عند الناس، ويسأل الله التثبيت والعصمة من فتن المحيا والممات.
كان – رحمه الله – باذلاً علمه بعيداً عن الأضواء والضوضاء، فهاتفه لا يكاد يفتر -لا سيما في سنواته الأخيرة- من اتصال المستفتين من
داخل المملكة وخارجها، كما أن له مشاركاتٍ كثيرة جُلُّها في إلقاء الدروس العلمية والمحاضرات العامة النافعة.
كان شديد الحزن لمصائب المسلمين، مولعاً بتتبع أخبارهم، كثير اللهج بذلك في مجالسه وإلى أصحابه، لا سيما ما تتابع من المصائب على أهل السنة في العراق.
أما فقهه -رحمه الله- فتنطق به تصانيفه وفتاواه ودروسه، فقد ناهزت مصنفاته وأبحاثه - على حداثة سنه - العشرين، نُشر بعضها، ولم يزل الباقي مخطوطاً.
نال -رحمه الله- العلم بموهبة من الله تعالى الذي حبَّب إليه العلم، ورزقه الفهم، فكان – أيام الطلب - من الزملاء القلائل
الذين يحيطون بالمسائل الفقهية فهماً، ويحسنون الإيراد على المشايخ، فكانت أسئلته ومداخلاته تُحرك الدروس وتثريها إثراءَ.
أما المطارحات العلمية فكان أبا عذرتها وابن بجدتها، وكان من لا يعرفه يعجب من سعة علمه، وقوة حجته، وحسن عرضه، وجودة بيانه.
وقد أخبرني -رحمه الله- أنه قيّد عن الشيخين الجليلين ابن باز وابن عثيمين مسائل كثيرة، فقيّد عن الشيخ ابن عثيمين ثلاثة آلاف مسألة، وقيّد عن الشيخ ابن باز مسائل كثيرة لكنها دون ذلك.
إن هذا الكمّ الكبير من المسائل لم يكن إلا نتاج همّة عالية وعزيمة ماضية ونفسٍ تواقةٍ للعلم، وقلبٍ مفعم بحب الشريعة.
ومن توفيق الله له – رحمه الله – أن حبّب إليه التفقه على طريقة الأئمة المحققين، لذا كانت فتاواه وتقريراته لا تكاد تخلو من ذكر اختيارات شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
أما فقه ابن عثيمين فهو فيه المقدَّم، نال ذلك بالرحلة إليه، وبالاتصال الهاتفي المطول عليه، فإن الشيخ قد أنس منه علماً وفقها، فاهتم بسؤالاته
ومنحه من وقته، ورفع من قدره، حتى كان يناديه بالقاضي على أنه كان حينها في العشرين من عمره رحمه الله ..
كما أنه استفاد من علم الشيخ بملازمته ملازمة الغريم كلما زار الشيخ الرياض، فقلَّما جلس الشيخ مجلساً أو زار أحداً أو حضر اجتماعاً إلا كان معه وقلمه بين إصبعيه
يكتب كل شاذَّة وفاذَّة، حتى اجتمع عنده ذلك المقدار الذي ندر أن يجتمع لواحد، حتى لقد روى عنه من المسائل ما تفرد وحده به، يسَّر الله إخراجه ..
ومن رأى كتابه (الأيمان التي لا كفارة فيها)، وما حشد فيه من آراء ابن عثيمين ودقائق اختياراته، أدرك إحاطته بفقه ذلك الإمام رحمه الله تعالى ..
يقول في مقدمته:
(ولا يفوتني هنا إلى أن أُنبه إلى استفادتي العظيمة من دروس العلامة الفقيه الموفق محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، فهو بحق فقيه عصره وعالم زمانه، رحمه الله رحمة واسعة، وبارك في عمله وعلمه وولده، وجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، يارب العالمين) ..
أسأل الله أن يجيب دعاءه ويحقق رجاءه ..
لقد كان أبو فهد مدرسة فقهية ماتعة، وأظن أنه لو طالت به الحياة لكان من الفقهاء المعدودين، ولكن الله في مراده، لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم.
مات -رحمه الله- في طريقه من الرياض إلى بلدته التي وُلِد فيها، ونشأ فيها، وغادرها طالباً ثم رجع إليها قاضياً عالماً، ثم حُمل على أعناق أهلها، ودفن في ثراها.
مات مسافراً سفراً لا إياب بعده في آخر ساعة من يوم الجمعة، ولا إخاله إلا قد قدَّم من الدعاء الذي لا يغفل عنه كثير من الصالحين في
تلك اللحظات ما عسى أن يكون خاتمة حسنة كريمة مؤذنة بالقبول من الله والرضا والسلام ..
"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [النحل:32].
اللهم يا حي يا قيوم، يا أرحم الراحمين، ويا خير الغافرين، اغفر لأبي فهد، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبة في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين .. اللهم آمين ..
¥