تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أصبح المحاوِر يهجم على المثقف بجيش من الأسئلة المعقدة بعد أن يقرأ نتاجه وتاريخ حياته، ويداوره في – خبث- حتى يسقطه في تناقض أو يفضحه باستفزاز، ثم إن المحاوَر يلتف عليه - في خبث قريب من خبثه - فيستعد لأسئلته كما يستعد لبحث علمي محكم سيلقيه في محفل دولي، حتى إني رأيت بعض هذه الحوارات الصحفية توثق نقولها بالجزء والصفحة، من هنا تجد أن حوارات كثير من المثقفين المتأخرين أعلى قيمة علمية من حورات أمثال: برناردشو وبرتراندرسل وطه حسين والعقاد وحمد الجاسر .. لكنها حورات أثقلتها الأنا المزورة والرهبة من فقدان صورة "المثقف النموذج"، ففقدت تلك البهجة والسذاجة التي كنت تجدها في هذا الضرب الجميل من العمل الصحفي، (ذكرت صافيناز كاظم في مقدمة حوارها المنشور مع ألبرتو مورافيا: أنها حين قابلته كانت المفأجأة أن لم يكن هناك مفاجأة فقد كانت شخصية عادية .. كلمتها هذه أغنتني عن قراءة عدة كتب للوقوف على شخصيته الخاصة).

لذا سأحاول - بعد أن تحنثتُ لنموذجي في محاريب الآخرين فبُليتُ بالخيبة والهوان - أن أجيبك من قريب بما أنا عليه، من رأس القلم هكذا بلا صنعة، بالبهجة والسذاجة .. ولن أفزع إلى شيء إلا إلى ذاكرتي المشوشة وما لابد منه من تحرير القلم، والله على ما أقول شهيد ...

ثم إن هناك أمر آخر يا أستاذ وهو أني وقفت على حقيقة قريبة من حقائق هذه الحياة: وهي أن حدة التأمل المرهقة، وسعة الاطلاع المذهلة، وتراكم الخبرة الباذخ، ربما انتهى بالإنسان في بعض نتائجه إلى ما يقرره العامي ابتداء دون أن يتكلف شيئاً من هذا كله .. لذا فإني لا أرى الآن كبير فائدة في مخاطبة من لا يقرأ، (الذي يريد أن يقرأ سيقرأ) القراءة أمر غريزي مركوز في فطر بعض الخلق، ومن ولد بها فإنه سيستميت في تنميتها واستثمارها بدافع قسري من ذاته، سيطلب خبز الروح كما يطلب الجائع خبز الحياة.

الحديث هنا مع من شغفته القراءة لعله أن ينتفع شيئاً ما، وأما من لا يقرأ ولا يرغب: فما أراه ينتفع (أفرق هنا بين التعليم والشغف بالقراءة)، وإنك تعجب حين ترى أن أكثر من يشتغل بشأن الكتاب هم أبعد الناس عنه: المتخرجون في أقسام المكتبات، الذين يراقبون الكتب في دوائر الإعلام في الجمارك، بل إن الشيخ منير الدمشقي – رحمه الله – قد ذكر في نموذجه أن أغلب أصحاب دور النشر هم من الجهل. لست أنسى مسؤول القاعة في إحدى المكتبات العامة حين كنت أتحدث معه عن فوائد القراءة فقال في أسى: ولكن أين الوقت؟

بداية الحوار

س: من يتابع كتاباتك يستشف أن لك تاريخاً طويلاً مع القراءة واطلاع، فمتى تمكنت منك هذه الهواية؟ وما هي العوامل التي ساعدت في تأصيلها في نفسك؟

ج: درست السنوات الثلاث الأولى من المرحلة الابتدائية في مدينة دبي من الإمارت العربية (1394هـ ما بعده) حيث كان والدي – أطال الله في عمره على الخير – يعمل مدرساً في إحدى مدارسها موفداً من وزارة المعارف آنذاك.

كان تلفزيون دبي يعرض برنامجاً لطيفاً للأطفال اسمه "

كليلة ودمنة " يحرك بالعرائس .. دخلت يوماً مكتبة تجارية كانت مجاورة لمدرسة عمر بن الخطاب التي أدرس فيها، فوقع بصري على كتاب عنونه " كليلة ودمنة " فاستهواني هذا التشابه في الأسماء، ولما نجحت من الثانية الابتدائية إلى الثالثة خيرني والدي – جزاه الله خيراً – في هدية النجاح (لست مدللا إلى هذه الدرجة، فقد ضربتُ ضرباً يشبه ضرب الفراش لنفض الغبار غنه!) طلبت منه نسخة من هذا الكتاب بعد أن أخبرته أين شاهدته فذهب إلى المكتبة، ولما أنزل البائع الكتاب من على الرف صعقت لحجمه وغاضت فرحة الهدية، وخجلت من والدي أن أتراجع، فذهبت به إلى البيت أقلبه لا أكاد أفهم من قصصه الرمزية شيئاً ...

لكن كانت هذه هي بداية الرحلة، ثم إني ترددت على مكتبة المدرسة لما انتقلنا إلى الرياض في السن الرابعة الابتدائية وما بعدها، وأسعدني الحظ فوقفت على أعمال للأديب الكبير كامل الكيلاني موجهة للأطفال مشكولة الكلمات، فوسعت قراءتها الخيال لدي، ونمت السليقة اللغوية، لكنها كانت أرفع من مستوى الطفل (قرأت فيما بعد أن هذا مما أخذ على مؤلفات كامل الكيلاني) إلا أن كثيراً من ناشئة العرب في أيام سالفة قد تخرجت بترا ث هذه الأديب الذي جهل قدره اليوم ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير