وعليه فإن من أعظم المقاصد لكتابة تراجم علمائنا بيان الجوانب المشرقة من سير عظمائنا، والتنويه بما لهم من أعمال جليلة، وأياد بيضاء، وإيقاظ الهمم وحفزها،والارتقاء بالأخلاق وتقويم عوجها، وتزويد القارئ بشيئ من خلاصات التجارب وقرائح الأفهام قال الأستاذ محمد كرد علي (7) كان أستاذنا طاهر الجزائري (8) وهو على سرير الموت يقول لمن حوله من أصحابه:اذكروا من عندكم من الرجال الذين ينفعونكم في الشدائد ودونوا أسماءهم في جريدة،لئلا تنسوهم ونوهوا بهم عند كل سانحة واحرصوا حرصكم على أعز عزيز.
ومن هؤلاء الذين يستحقون الترجمة من أبناء الجزائر، الذين نبغوا في غير وطنهم، وليس ذلك بغريب، لأن الجزائر كما قيل: طينة علم وذكاء وصدق شاعر النهضة محمد العيد آل خليفة إذ يقول:
إن الجزائر لم تزل في نسلها ..... أُمًا ولودا خصبة الأرحام
نسبه:
من هؤلاء العالم المصلح العلامة الفقيه حميدة بن الطيب بن علال التواتي الابراهيمي الحسني (9) المالكي الجزائري ثم المدني، المعروف عند بعض أهل المدينة بالجزائرلي (10)
وحميدة أصلها أن تكتب هكذا "أحميدة" جرى على هذا أهل المغرب العربي طلبا للاختصار، كما في أسماء أُخر، مثل: محمد يقولون حمُو، ولأحمد حمدوس، وليوسف يسو، ولعبد الرحمن رحموا، الى غير ذلك ولهم في هذا الاختصار غرضان أساسيان:
الأول: طلب التواضع وترك الفخر والخيلاء، فأهل المغرب الغالب عليهم التواضع وترك الفخر والخيلاء، بخلاف أهل المشرق فالغالب عليهم حب الفخر والرياسة فتجد عندهم هذا الالقاب عز الدين وشمس الدين ... إلخ (11).
والثاني: تنزيه الأسماء الشريفة أن ينالها سوء أو أذى فتجد عندهم اسم "مُحند" وأصله "محمد" ويفضل كثير من أهل المغرب العربي خاصة أهل زواوة منهم تسمية أولادهم بهذا الاسم، لكنهم يخشون أن يزلهم الشيطان فيأتوا من قبيح الأفعال وبذيء الاقوال مما يجعل بعض الناس يشتمون حامل هذا الاسم أو يسمونه، فيكونون قد شتموا اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتاطوا للأمر، واهتدوا الى طريقة يجمعون بواسطتها بين التبرك باسم الرسول صلى الله عليه وسلم وبين تنزيه اسمه الشريف عن أن يناله سوء أو أذى (12)
مولده:
ولد رحمه الله سنة 1288هـ 1871م من بلدة عين بسام والتي تعد من كبرى بلديات البويرة الجزائرية تبعد عن الجزائر العاصمة حوالي 120 كلم، من ناحية الشرق تحيط بها عدة مدن صغيرة كالهاشمية وعين العلوي والخبوزية والروراوة وسوق الخميس وبئر غبالو
نشأته:
عندما بلغ الشيخ رحمه الله سن التعليم بدأ بحفظ القرآن الكريم حتى أتمه بروايتي ورش وحفص، وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره (13) قرأ القرآن على الشيخ المختار (14).
وبعد أن أتم قراءة القرآن سافر الى مدينة بوسعادة (15) والتحق (16) بزاوية الهامل (17) فتلقى مختلف العلوم الشرعية التي كانت تدرس في الزاوية المذكورة كالعقائد والنحو والصرف والفقه والتجويد، فأكب على حضور مجالس العلم، وحفظ المتون العلمية،
ومن المشايخ الذين لازمهم الشيخ حميدة الطيب العلامة المصلح عبد الحميد بن باديس، قرأ عليه سيرة ابن هشام وألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل وتفسير الجلالين (18)
كما درّس الشيخ حميدة بعض المشايخ قسما من الموطأ بشرح الزرقاني، وشيئا من مختصر خليل وبعض الألفية النحوية بشرح الأشموني.
وختم كتبا كثيرة، مثل موطأ الامام مالك وصحيح مسلم وسيرة ابن هشام وفتح الباري للحافظ ابن حجر والاصابة له كذلك.
وكان رحمه الله كثير المطالعة،شغوفا بقراءة الكتب، فمن الكتب التي أتم قراءتها مطالعة الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر، ولسان الميزان له كذلك، والاستيعاب للحافظ ابن عبد البر وأسد الغابة لابن الأثير، والكامل في التاريخ له كذلك، وتاريخ ابن جرير الطبري، وطبقات ابن سعد وتاريخ ابن كثير وتاريخ ابن خلدون وتذكرة الحفاظ للذهبي، وغيرها من الكتب، وحصل على إجازة من معهد زاوية الهامل بالتدريس ونشر العلم في المدن والقرى الجزائرية.
صفاته الخَلقية والخُلقية:
كان الشيخ رحمه الله متوسط الطول، أبيض اللون،واسع العينين عريض الجبهة لحيته بيضاء يلبس العمامة
¥