وأما أخلاقه فعرف رحمه الله بالتواضع واشتهر بالعفة والنزاهة ودمث الأخلاق يكره التكبر والتملق، صاحب رجاحة في العقل، غزير الحفظ قوي الذاكرة
رحلته الى الحجاز:
حرص المسلمون في مختلف العصور والأقطار على الارتحال في طلب العلم، وكانوا يتكبدون المشاق في سبيل ذلك، غير أن الحجاز تتمتع بميزة أخرى،جعلته أكثرجذبا للعلماء وطلاب العلم بحكم مكانته الدينية.
فأكثر من يقدم للحج والعمرة، يقيم فترة للمجاورة في الحرمين، للتزود ببعض العلوم الشرعية، ومجالسة أهل العلم الذين قد لا يتيسر لقاؤهم في غير الحجاز، وربما طال به المقام، فيستقر فترة من الزمن، قد تطول وقد تقصر، وفي هذه الحالة يعد مجاورا فيستفيد من اتصاله بالعلماء، كما يفيد غيره من علمه، وعليه يمكن أن تصنف الذين قاموا بهذه الرحلات الى نوعين:
- نوع قاموا بالرحلة لطلب العلم والافادة من علماء عصرهم
-نوع آخر ممن نال حظا وافرا من العلم فارتحل الى أقطار أخرى للافادة
ولقد جذبت المدينة النبوية بحكم مركزها الديني والعلمي عددا من العلماء، وطلبة العلم الذين قدموا إليها لتلقي العلوم (19) ومن هؤلاء الشيخ حميدة رحمه الله، فإنه اتخذها مهاجره ودار إقامة، بعد أن ضغط عليه المستعمر الفرنسي الغشيم (20) ومنعه من الدعوة الى الله وتعليم الناشئة فقرر رحمه الله الهجرة الى الحجاز، فخرج متسترا باسم حميدة التواتي نسبة لجده علال التواتي، وتوجه الى مكة المكرمة فأدى فريضة الحج ثم توجه الى المدينة المنورة.
حياته العلمية في المدينة النبوية:
كانت المدينة النبوية تزخر بجملة كبيرة من العلماء في الفترة التي حل بها الشيخ حميدة رحمه الله، ولهم حلق علمية ودروس بالمسجد النبوي، يهبون علمهم ووقتهم للراغبين من طلبة العلم، وكان من أبرزهم: الشيخ حسين أحمد المدني والشيخ محمد العمري الواسطي والشيخ محمد إسحاق والشيخ أحمد البرزنجي والشيخ عبد الباقي اللكنوي والشيخ عمر حمدان المحرسي التونسي والشيخ عمر بري والشيخ ياسين أحمد الخياري والشيخ الخضر الشيخ أحمد الفيض أبادي والشيخ حمزة بساطي (21)
وشارك الشيخ حميدة هؤلاء الأعلام مشاركة قوية إذ أصبح من المشايخ المبرزين صاحب حلقات ودروس المسجد النبوي ثلاثة دروس في كل يوم الدرس الأول بعد صلاة الفجر وكان يدرس فيه الفقه فإذا انتهى منه انتقل الى النحو فيدرس الطلاب متن الآجرومية مرة والألفية لابن مالك مرة أخرى، والدرس الثاني بعد صلاة العصر وكان يدرس القواعد أما الدرس الثالث فبعد صلاة المغرب ويعد هذا الدرس أكبر حلقات الشيخ يحضرها طلبة العلم من مختلف البلدان والأقطار الاسلامية.
والشيخ رحمه الله لم ينقطع عن إفادة الغير من طلبة العلم وأهله حيث كان الطلاب يفدون على بيته ويسألونه في مسائل شتى فيجيبهم الشيخ بما يفتح الله عليهم ويستقبلهم بصدر رحب ويحنو عليهم حنو الأب على أبناءه شأنه في ذلك شأن الصالحين من هذه الأمة قضى أكثر من أربعين سنة يدرس ويفيد ويرشد ويعظ وينشر العلوم الشرعية.
وعند قيام الحرب العالمية الأولى والحرب العثمانية اضطر أكثر أهل المدينة الى ترك المدينة والسفر الى البلاد المجاورة (22) فكان الشيخ رحمه الله أحد الذين صوبوا وجهتهم تجاه الشام، وهناك التقى بعدد من العلماء وطلبة العلم، وكانت له عندهم مكانة خاصة، وبعد استقرار الأوضاع رجع الشيخ الى المدينة وباشر دروسه كالعادة.
مكتبة الشيخ رحمه الله:
عرف الشيخ رحمه الله بشدة حبه للقراءة والمطالعة فدعاه ذلك الى تكوين مكتبة علمية قيمة، زاد عدد كتبها عن الألف مجلد، جمعت أشتات العلوم، وكانت تعد من أكبر المكتبات في المدينة، يقصدها طلبة العلم للاستفادة منها، قال الاستاذ ياسين أحمد الخياري وهو يتحدث عن المكتبات العامة والخاصة بالمدينة المنورة: ((مكتبة الشيخ حميدة بن الطيب في منزله بسقيفة الرصاص)) (23)
وبعد وفاة الشيخ حميدة رحمه الله تولى ابنه الوحيد محمد حميدة (24) أمر المكتبة فقام بالمهام أحسن قيام.
الشيخ حميدة والشعر:
يعد الشيخ حميدة من رواد الأدب العربي، إذ كان يحفظ كثيرا من الشعر في مختلف العصور، وكان صاحب ملكة في هذا الفن لا يجارى، يقول الشعر ويرتجله ارتجالا، دارت بينه وبين الاديب العلامة محمد أحمد العمري (25) مساجلات أدبية يشهد فضلاء المدينة بعظمها وقوة مستواها
¥