تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم يقول عز وجل {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} قيل أن هذا جواب القسم وهو الدعاء عليهم بالقتل واللعن والطرد من رحمة أرحم الراحمين، أي لعن أولئك الذين حفروا الأخاديد، وأوقدوا فيها النيران، ثم قعدوا على شفيرها، يتلذذون بتعذيب المؤمنين، ويتشفون بصراخ أولئك المعذبين، ويسخرون من أولئك المحاصرين، قد نزعت من قلوبهم الرحمة، وملأت ظلمة وقسوة، فهم شاهدون مشاهدون لتلك الأفعال الإجرامية المؤلمة، التي لا تصدر إلا ممن مسخ الله قلبه، ونزع الرحمة من فؤاده، وتمكن الظلم والكبر والجبروت منه، فأين الإنسانية من هؤلاء وهم ينظرون إلى عباد الله يتعذبون في النار، ويحترقون في اللهب، ويصرخون من شدة الألم؟ أين الرحمة؟ وأين الإنسانية من أولئك الذي ينظرون إلى بشر مثلهم يتضورون جوعاً، ويبكون دماً، ويموتون عطشاً، خلف ذلك الحصار الشديد، والبلاء العظيم؟

وكم في هذه القصة من التسلية للمؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الزمن فأولئك قوم عادوا أولياء الله وتسلطوا على عباد الله فأرادوا أن يصدوهم عن دين الله فأبوا إلا الثبات على هذا الدين والالتزام بهذا الطريق القويم {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} لم يكن لهم ذنب إلا الإيمان بالله عز وجل، ولم يكن لهم خطيئة إلا الالتزام بهذا الدين العظيم، وهكذا كان حال المؤمنين الموحدين منذ عهد نوح عليه السلام أن يَنْصِبَ لهم الكفارُ العداء إذا رأوا منهم التوحيد الصادق، والثبات والتمسك، فإن من سلك هذا الطريق المستقيم وجب عليه الصبر والثبات، فإنه لا بد أن يمتحن، ولا بد أن يختبر، ولا بد أن يلقى من أعداء الله عز وجل ما يقلى، ولا بد أن يجد منهم ما يجد {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

فلما رأوا منهم الإصرار والثبات على هذا الدين، وعدم التأثر بما يدعونهم إليه من الانحراف عنه، والخروج إلى ما هم عليه من الكفر والشرك والظلم، حفروا لهم الأخاديد في الأرض، ثم أضرموا فيها النيران العظيمة، ليقذفوهم فيها بلا رحمة ولا هوادة ولا شفقة، يقذفونهم في تلك النار ليحترقوا أمامهم ويستمتعوا بصراخهم، ويتلذذوا بمنظر أكل النار لهم.

وهكذا هم على مر السنين، يتلذذون بتعذيب المؤمنين، فأولئك كفار قريش كانوا يكيلون للمؤمنين بمكة ألواناً من العذاب والسخرية والاستهزاء، وهم يتلذذون بذلك، ويستشفون به، ويستمتعون بصراخ المساكين، واحتراق الجلود والأبدان، فعجباً لمن نزع الله الرحمة من قلبه أنى تأتيه رحمة ربه، وعجباً لمن يتلذذ بعذاب المؤمنين كيف يكون حاله عندما يقف بين يدي العزيز الجبار المنتقم.

ولم يكن السبب لمثل هذه الأفعال إلا أنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له العزة والمنعة والقوة، المحمود على كل حال.

ومنه يتبين أن دين الله غالب فهو العزيز صاحب العزة وسيعز من يشاء ويذل من يشاء، وهو المحمود على كل حال محمود في السراء، محمود في الضراء، فالمؤمن إذا أصابه البلاء قال: الحمد لله على كل حال، وإذا أصابته السراء قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

فهو عز وجل محمود على كل حال، وفي كل مقام، فله الحمد على السراء، وله الحمد على الضراء، وله الحمد على البلاء، وله الحمد على العطاء.

وها هو السبب الذي من أجله عُذب المؤمنون، وتُسلط على الموحدين، إنه إيمانهم برب العالمين، وهل هذا جرم يعذب عليه! أو هو منقبة يحمد عليها المؤمن أن عرف طريق الحق وتمسك به! لكنها الفطر المنكوسة والظلم والجور والبعد عن الحق يفعل بالإنسان الأفاعيل ويمسخ منه الإنسانية والفطرة السليمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير