تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم قال سبحانه واصفاً ملكه وعظمته {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي له الملك التام، والسلطان الكامل، فكل ما في السموات وما في الأرض ملك له سبحانه وتعالى، وهو شهيد على كل ما يحصل في ملكه، وما يكون في سلطانه، ومن جملة ذلك ما يفعل هؤلاء الكفار بعباده المؤمنين من العذاب والحصار والإذلال، كل ذلك يشاهده عز وجل ويعلمه، وسيجازي الصابرين أحسن الجزاء، وسيعذب المجرمين الظالمين أشد العذاب.

وكم في هذا من تسلية للمؤمنين الموحدين، أن ربهم وخالقهم ومليكهم الذي من أجل دينه يعذبون، ومن أجل توحيدهم له يسامون، ينظر إليهم ويراهم ولا يخفى عليه حالهم، فماذا ينتظرك من الجزاء إن كان من تُعذب فيه يراك وأنت تعذب! وكم فيه من التسلية والتصبير أن من تناضل من أجل دينه يراك ويرى ما يحل بك! ثم قال عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} ها هو الوعيد الشديد، والتهديد العظيم، لألئك الكفار المعتدين الظالمين، الذين فتنوا المؤمنين في دينهم، وآذوهم في توحيدهم، وحرقوهم وعذبوهم، وكالوا لهم ألوانَ العذا، ب يدعوهم الله عز وجل إلى التوبة، ويعرض علهم العودة، وهذا من حلمه وسعة رحمته، ولهذا يقول الحسن البصري رحمه الله: انظر إلى حلم الله عز وجل يحرقون أولياءه ثم يدعوه إلى التوبة.

ثم توعدهم بالعذاب الحق الذي لا يساوي مع ما صنعوا بالمؤمنين في الدنيا شيئاً، ولا يعادله في شيء، عذاب جنهم التي فضلت على تلك النار التي أوقدتموها للمؤمنين في الدنيا فضلت عليها بتسعة وستين جزاء، فانتظروا ذلك العذاب.

ووالله إنه العذاب الذي ليس بعده عذاب، ولا أشد منه عذاب، ذلك العذاب وذلك الحريق الذي ينتظركم جزاء ما صنعتم بأوليائه وما فعلتم بعباده.

قال الشيخ محمد العثيمين رحمه الله: في هذه الآيات من العبر: أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه، فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم، وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة، المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون أملى لهم الله سبحانه وتعالى ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم، فمثلاً نحن نسمع ما يحصل من الانتهاكات العظيمة، انتهاك الأعراض، وإتلاف الأموال، وتجويع الصغار والعجائز، نسمع أشياء تبكي، فنقول: سبحان الله ما هذا التسليط الذي سلطه الله على هؤلاء المؤمنين؟ نقول يا أخي لا تستغرب فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا أمثالاً فيمن سبق يحرقون المؤمنين بالنار، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في بلاد المسلمين هذا رفعة درجات للمصابين، وتكفير السيئات، وهو عبرة للباقين، وهو أيضاً إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر. أهـ.

ثم بشر المؤمنين الموحدين بأن ينسيهم ذلك الهوان، وذلك الذل وذلك العذاب، الذي لاقوه في سبيله، والذي صبروا عليه من أجله، فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} يقول صلى الله عليه وسلم (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط).

فهنيئاً لكم تلك الجنان، وهنئاً لكم ذلك الفوز الكبير في تلك الدار، التي لا تزول ولا تتحول ولا تتغير، أنتم في نعيم مقيم، وفوز كبير، ستنسون ذلك العذاب، وستنسون تلك المرارة، وستبقون في هذا النعيم بقاء لا زوال بعده ولا تحول عنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير