والذي توقع فيه أن الإقبال على مصحف المدينة النبوية خارج السعودية سوف يقل لصعوبة الحصول عليه وارتفاع ثَمنه كما ضمنه دعوة للقائمين على مجمع الملك فهد بإعطاء إذن بطبع مصحف المدينة للجهات التي ترغب بذلك في العالم خدمة للقرآن الكريم ونشره على أوسع نطاق، لما امتاز به مصحف المدينة النبوية من التدقيق والإخراج الجميل، وحاز مكانة عالية في نفوس المسلمين في العالم، منذ صدوره إلى اليوم.
ولا شك في أن للقائمين على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف رأيهم في موضوع المقال الذي تفضل بتسطيره الدكتور عبد الرحمن، وهم أولى ببيان سياسة المجمع والإجابة على ما ورد في هذا المقال، وأنا أقدر للدكتور عبد الرحمن مبادرته إلى الكتابة في هذا الموضوع، وحرصه على أن تظل لمصحف المدينة النبوية مكانته التي حظي بها من يوم صدوره، كما أشكر لأخي الدكتور عبد الرحمن لفت نظري إلى المقال ورغبته في التعليق عليه.
ولعل من حسن التوفيق أني كنت في اليوم الذي نشر فيه الدكتور عبد الرحمن مقاله في الملتقى في زيارة مجمع الملك فهد - الأربعاء 9/ 6/2010م - أستمع إلى شرح عن نشاط المجمع في خدمة القرآن الكريم والمصحف الشريف من الأستاذ صالح الحسين مدير عام العلاقات في المجمع، ضِمْنَ وفد الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الذين حضروا المؤتمر العلمي الأول للهيئة في جدة، ونَظَّمَتْ لهم الهيئة زيارة للمدينة المنورة بعد انتهاء أعمال المؤتمر، وكان مما ذكره الأستاذ صالح في إجابته على سؤال لأحد الإخوة في الوفد عن مدى تعاون المجمع مع الجهات التي تقوم بنشر المصحف في العالم: أن المجمع يتعاون مع كل الجهات التي تستشيره في المسائل العلمية المتعلقة بالمصحف، وأنه مستعد للتعاون معها في خدمة القرآن الكريم، ولكن المجمع لا يريد أن ينصب نفسه (زعيماً) على تلك الجهات، لأن القائمين على المجمع يعتقدون أن مسؤولية خدمة المصحف هي مسؤولية جميع المسلمين وليست خاصة بالمجمع، وأن المجمع بكل ما تهيأ له من موارد مالية وطاقات علمية لا يمكن أن يغطي حاجة العالم الإسلامي من المصاحف، علماً أنه يطبع سنوياً بحدود عشرة ملايين نسخة من المصحف.
وإذا كان هذا هو موقف مجمع الملك فهد من تعدد جهات طباعة المصحف في العالم الإسلامي اليوم، وتلك إمكاناته في عدم القدرة على تلبية جميع حاجة العالم الإسلامي إلى المصاحف، فليس هناك ضير في أن تظهر مصاحف مطبوعة طبعات جديدة توفرت لها الدقة العلمية والإخراج المتقن، وليس هذا الأمر بالجديد، أعني تعددت جهات نشر المصحف، فقبل صدور مصحف المدينة النبوية كان المصحف الأميري (مصحف القاهرة) هو أكثر المصاحف شهرة في العالم الإسلامي، وتَصْدُرُ بجانبه مصاحف من جهات ودور نشر كثيرة، وكان الخطاطون في العالم الإسلامي قبل عصر الطباعة يعمل الواحد منهم على كتابة عدد من المصاحف تصل إلى العشرات تلبية لحاجة المسلمين إلى المصاحف للقراءة فيها.
أما عن مستقبل (مصحف المدينة النبوية) فإني أحسب أنه سيظل يحتل مكان الصدارة، لأسباب منها:
(1) مكانة المملكة الدينية واحتضانها الأماكن المقدسة، فيؤمها سنوياً للحج والعمرة ملايين المسلمين، ويحظى كل حاج ومعتمر بنسخة من المصحف مجاناً، بل إن من يتقدم إلى المجمع بوثيقة تثبت أنه إمام لمسجد فإنه يحظى بعدد أكبر من المصاحف.
(2) الدقة الفائقة في إخراج المصحف من ناحية الرسم، والضبط، والزخارف، مع تنوع الحجم، وكنت قد وقفت على كلام لبعض أهل الاختصاص بالخط يشيرون فيه إلى خرق قوانين الخط في بعض المواضع في مصحف المدينة، وإني، وإن كنت غير متخصص بفن الخط، أجد أن قوانين الخط إذا أدت إلى لبس في الضبط أو قلة في الوضوح فالأولى التخلي عنها، لأن المصحف ليس لوحة فنية يبرز فيها الخطاط مواهبه الفنية من غير مراعاة لوضوح الرسم ودقة الضبط (ولهذا الجانب تفصيل ليس هذا موضعه).
(3) تنوع منتجات المجمع يجعله في الصدارة في خدمة المصحف وعلوم القرآن، فإلى جانب مصحف حفص عن عاصم يُصْدِرُ المجمع مصاحف بالروايات الأخرى، وترجمات للقرآن إلى لغات الشعوب الإسلامية، واللغات العالمية، ويصدر مصاحف مسجلة صوتياً، إلى جانب مصحف المدينة للنشر الحاسوبي، والمطبوعات العلمية المتعلقة بعلوم القرآن.
(4) القدرة على الاستمرارية، فكثير من المشاريع تبدأ قوية لكن تقدم السنين يضعفها وقد ينتهي بها الأمر إلى الزوال، ومجمع الملك فهد قد أثبتت السنين قدرته على الاستمرار والتوسع في الإنتاج وتحسينه وتنويعه.
ومع كل هذا فإن أؤيد ما ذهب إليه الدكتور عبد الرحمن وفقه الله إلى الحاجة إلى سهولة الحصول على منتجات المجمع من المصاحف وغيرها، من خلال:
1. تعدد منافذ التوزيع في المملكة وخارجها.
2. تخفيض أسعار المطبوعات.
3. زيادة عدد المطبوع من الكتب العلمية التي يتبنى المجمع طباعتها، حتى لا تنفد نسخها في السنة الأولى لنشرها.
وفي مناسبة الحديث عن مستقبل مصحف المدينة أتمنى أن يزداد التعاون بين الجهات التي تتولى نشر المصاحف، لتبادل الخبرات وتكاملها، وأن يكون رائد الجميع خدمة القرآن الكريم والرغبة في ما عند الله سبحانه في الآخرة، وليس التنافس على تحقيق مواقع في الساحة في هذه الدنيا، ولعل مستقبل الأيام يشهد ميلاد الهيئة العالمية لطباعة المصحف الشريف، لِتُحَقِّقَ التنسيق بين الجهات التي تضطلع بطباعة المصحف، وتكون مرجعية علمية في هذا الميدان، وآمل أن يكون:
"مُلْتقى مجمع الملك فهد لأشهر خَطَّاطي المصحفِ الشَّريف في العالم"
الذي سيعقد في مجمع الملك فهد في العام القادم نواة لتلك الهيئة، والله ولي التوفيق.
د. غانم قدوري الحمد
أستاذ في جامعة تكريت
¥