تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لذا يود الباحث أن يشير إلى الوسيلة الثانية التي تم بها حفظ القرآن الكريم من التحريف أو التبديل أو الضياع أو الفقدان وهي الجمع الكتابي. والدراسة هذه مخصصة في أخذ مرحلة زمنية محدودة، وهي كتابة النص القرآني في العهد المكي فقط، لأن كتابة القرآن في المدينة أصبحت من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى الدراسة والبحث، نظراً للأدلة الصريحة التي وردت في ذلك، ولكثرة ما كتب فيه. ويحبذ الباحث قبل الدخول في الموضوع أن يشير وبإيجاز شديد إلى الوسيلة الأولى لحفظ القرآن ألا وهي الجمع الحفظي، التي اعتاد الباحثون المسلمون على تسميتها بالوسيلة الأولى والأساسية في حفظ القرآن الكريم من التحريف. ويناقض أكثر الذين يذهبون هذا المذهب أنفسهم عند الحديث عن جمع أبي بكر للقرآن الكريم بأنه لم يقبل إلا ما توافر فيه الحفظ والكتابة معاً فلو كانت الكتابة وسيلة ثانوية لما اشترط لقبول قرآنية القرآن توفر الحفظ والكتابة، أو الشاهدين يشهدان على أن المكتوب كتب بين يدي النبي!، وعليه فالأولى أن يقال إن الحفظ والكتابة كانتا وسيلتين أساسيتين في حفظ القرآن الكريم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي والقرآن كله مجموع في الصدوروالسطور.

الجمع الحفظي

وهو عبارة عن حفظ النص عن ظهر قلب، وهو من خصائص هذه الأمة، وظاهرة مستمرة إلى يوم القيامة، وفيها تحقيق لوعد اللّه عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإَنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2).

وسَيد مَنْ حفظ القرآن الكريم الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم فقد كان مولعاً بالحفظ والتلاوة لما يسمع من جبريل وما يوحي إليه حتى طمأنه الباري بقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} (3). وقد حفظ القرآن من الصحابة عدد كثير، ويظهر ذلك جلياً مما تواتر نقله أنه قد استشهد أكثر من سبعين منهم في بئر معونة فقط، وكذا في معركة اليمامة. والحديث عن الجمع الحفظي قد أُشبع بحثاً، فعليه لا يحتاج إلى تكرار ما قد قاله الآخرون في هذا المجال.

الجمع الكتابي

الكتابة في اللغة: مصدر كتب، يقال: كَتب يكتُب كَتْبا وكتاباً وكِتابةً ومَكتَبة وكِتْبة فهو كاتب ومعناها الجمع، يقال: تكتَّبت القوم إذا اجتمعوا، ومنه قيل لجماعة الخيل كَتِيبة، ومن ثَمَّ الخط كتابة لجمع الحروف بعضها إلى بعض كما سمِّي خَرْز القربة كتابةً لضم بعض الخُرَز إلى بعض (1).

وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كُتَّاباً للقرآن الكريم كان يأمرهم بكتابة ما ينزل من القرآن الكريم حال نزوله لا يتأخرون عنه، وليس في ثبوت هذه الحقيقة من اتخاذه كتاباً يكتبون القرآن أدنى شك ولا خلاف، والروايات التي سبقت في إثباتها بلغت مبلغ التواتر المفيد للقطع. قال الزركشي: >كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما أنزل عليه شيء من القرآن أمر بكتابته ويقول في مفترقات الآيات: ضعوا هذه في موضع كذا< (2) وقد كان من بين الكُتّاب الذين يستكتبهم النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، الخلفاء الأربعة، وعامر بن فهيرة وخالد بن سعيد وعبد اللّه بن أبي سرح وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وخالد بن الوليد ومعاوية وثابت بن قيس (3) ... إلخ.

وكان أكثرهم من المكيين (4). ولا شك أن أغلبهم كان من السابقين إلى الإسلام. وغالب الظن أن هذا الإحصاء لم يشمل كل من انتدب لكتابة الوحي فيكون العدد أكثر من ذلك. وعلى أية حال فإن هذا العدد نفسه يدل على أن كتابة القرآن الكريم باستكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن أمراً عارضاً، وإنما هي عمل أساسي من أعمال الدعوة قد خصصت له مؤسسة تقوم عليه هي مؤسسة كتاب الوحي (1).

وإذا رجعنا إلى الكتب التي تتحدث عن كتابة القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم نجد أنهم يطلقون القول أو العبارة (كتابة الوحي في العهد النبوي) ولا يقسمون ذلك إلى العهد المكي والعهد المدني سواء كُتُب المتقدمين أم المتأخرين، مما يدل على أن كتابة القرآن كانت قد غطت مراحل النزول كلها مكيها ومدنيها، خلافاً لما انتهى إليه بلاشير ودائرة المعارف الإسلامية وبعض الباحثين المسلمين، من أن المرحلة المكية لم يكن القرآن يكتب فيها، وإنما بدأت كتابته في السنوات الأولى من العهد المدني. ولإثبات ما ذكر سابقاً من أن القرآن كان يكتب في جميع مراحل النزول وبالتحديد في العهد المكي، سيقوم الباحث بذكر أدلة من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير