أي كطيه لما كتب فيه حفظاً له (5). والسجل للكتب: الصحيفة وفيها الكتاب. والمعنى: كطي السجل على مافيه مكتوب (6)، أي يوم نطوي السماء كما يطوى السجل على ما فيه من الكتاب. واللام في قوله (للكتب) بمعنى (على) (7). وقد قال الزمخشري: >السجل: وهو الصحيفة، أي: كما يطوى الطومار (الصحيفة، جمعه طوامير، والتطمير: الطَّيّ)، للكتابة، أي: ليكتب فيه، للمكتوبات، أي: لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة< (8).
يقول الإمام الشوكاني: >أي: كطي السجل كائناً للكتب أو صفة له، أي: الكائن للكتب فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها فسجلها بعض أجزائها وبه يتعلق الطي حقيقة ... أو: كما يطوى الطومار للكتابة أي: ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة< (9).
7. القرطاس: وقد وردت لفظة القرطاس في قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ} (1).
فهذا النص يلهم أن الكتابة على القرطاس وكون الكتب مؤلفة من قراطيس هو الشيء المألوف الذي لم يكن ليتصور غيره (2).
تقول العرب: قِرطاس وقُرطاس وقَرطاس، ثلاث لغات. وقِرْطَس وقَراطِس، مثل: دِرْهَم ودَرَاهِم (3).
يقول محمد رشيد رضا: >الكتاب في الأصل مصدر كالكتابة ويستعمل غالباً بمعنى المكتوب فيطلق على الصحيفة المكتوبة، وعلى مجموعة الصحف في مقصد واحد، والقرطاس بكسر القاف (وتفتح وتضم) الورق الذي يكتب فيه. وقيل هو مخصوص بالمكتوب منه< (4).
والقرطاس: الصحيفة يُكتب فيها تكون من ورق وكاغد وغيرهما، وهي بكسر القاف وضمها والفصيح الكسر ... ولا يقال: قرطاس إلا إذا كان مكتوباً، وإلا فهو طرس ـ الصحيفة التي محيت ثم كتبت ـ وكاغد (5).
8. الكتاب: ويقال إن: أول تسمية للقرآن على أنه كتاب، وردت في السورة الثامنة والثلاثين من النزول وهي (الأعراف 1 و51) ـ وهي من السور المكية ـ ... فلم يُسم ـ القرآن ـ في أول أمره كتاباً، بل قرآناً، أي كلاماً يتلى بعد التلقين، ثم وصف هذا المتلو بأنه ذكر وتنزيل و ... إلخ. ولما أصبح النازل منه كثرة يصح أن يكون كتاباً سمِّي كتاباً، ثم اندمجت المعاني ببعضها فاكتسبت الصفات والمصادر معنًى مفهوماً واحداً، وأصبحت تعني شيئاً واحداً، فالقرآن هو الكتاب، وهو الذكر وهو التنزيل، وهو الفرقان، والعكس بالعكس (6). فمن الآيات التي أطلقت فيها الكتاب على القرآن قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} (1). والآية مكية، ومعلوم أن المس يكون لشيء مادي محسوس مكتوب، ـ وقد سبق بيان ما المقصود من الكتاب في الأصل عند العرب ـ، وإلا فلو كان عبارةً عن تلاوة فقط، لما تطلب الأمر هذا النهي.
يقول دروزة: >فهذه الآيات وتلك وإن كانت تشير إلى صلة القرآن بالملائكة وطهارة أصله ومصدره وكرامته، فإن روح عبارتها تلهم أيضا بقوة أن القرآن صار مكتوباَ في صحف وصار لهذه الصحف واجب التكريم فلا يمسها إلا المطهرون. وهذا ما كان يجري فعلاً كما جاء في الروايات الوثيقة، وخاصةً في رواية إسلام عمر ـ ستأتي لاحقاً ـ وصحيفة القرآن التي كانت في يد أخته، ورَفْضِها تسليمها إليه إلا بعد أن يتطهر (2). وأصل التقليد الإسلامي الفقهي بعدم جواز مس المصحف إلا على طهارة هو من هذا الباب< (3).
يقول الإمام الزمخشري: >مكنون، مصون من غير المقربين من الملائكة، لا يطلع عليه من سواهم، وهو المطهرون من جميع الأدناس أدناس الذنوب وما سواها: إن جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح. وإن جعلتها صفة للقرآن، فالمعنى: لا ينبغي أن يمسه إلا من هو على الطهارة من الناس، يعني من مس المكتوب منه، ومن الناس من حمله على القراءة أيضاً، وعن ابن عمر: أحب إليّ أن لا يقرأ إلا وهو طاهر< (4).
¥