تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وللفقهاء في هذه الآية كلام طويل، يكتفي الباحث فقط بالإشارة إلي ما نقله الجصاص، بقوله: >رُوي عن سلمان أنه قال: لا يمس القرآن إلا المطهرون فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء. وعن أنس بن مالك في حديث إسلام عمر قال: فقال: لأخته أعطوني الكتاب الذي كنتم تقرؤون. فقالت: إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأه وذكر الحديث. وعن سعد إنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف. وعن ابن عمر مثله وكره الحسن والنخعي مس المصحف من غير وضوء. وروي عن حماد أن المراد القرآن الذي في اللوح المحفوظ لا يمسه إلا المطهرون يعني الملائكة، وقال أبو العالية في قوله لا يمسه إلا المطهرون قال: هو في كتاب مكنون ليس أنتم من أصحاب الذنوب، وقال سعيد بن جبير وابن عباس: المطهرون الملائكة، وقال قتادة: لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي والنجس والمنافق، قال أبو بكر: إن حمل اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند اللّه، والمطهرون الملائكة، وإن حمل على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عموماً فينا وهذا أولى لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أخبار متظاهرة: أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم ولا يمس القرآن إلا طاهر، فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيها احتمال له آخر سورة الواقعة< (1).

إضافةً إلى آيات أخرى كثيرة فيها إشارات واضحة إلى أدوات الكتابة، وعليه لم يكن الحديث عن مثل هذه الأدوات أمراً غريباً عند أهل مكة والذين خاطبهم القرآن، لأنهم كانوا على دراية تامة وعلم مسبق بها. وكان القرآن النازل يكتب في صحف تتداولها القلة المسلمة في مكة.

المبحث الثالث: الأدلة من الحديث والسيرة النبوية

1. كُتَّاب القرآن المكي

يدل على كتابة القرآن الكريم في العهد المكي ورود عدد من أسماء كُتّاب القرآن الكريم في العهد المكي في كتب الحديث والسيرة النبوية والتراجم. منهم:

عبد اللّه بن أبي سرح: كان من كُتّاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كتبوا له في مكة قبل الهجرة إلى المدينة المنورة، ثم ارتد عن الإسلام فأهدر الرسول دمه ثم رجع إلى الإسلام بعد فتح مكة بعد أن شفع له عثمان بن عفان رضي اللّّه عنه (1).

والأخبار والروايات التي وردت فيه كثيرة ومخلتفة في فترة ارتداده فيذهب البعض إلى أنه قد ارتد قبل الهجرة ومنهم الإمام الطبري. حيث يذكر في تفسيره: >أنه ـ عبد اللّه بن أبي سرح ـ قد وشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي أو لبني عبد الدار، فأخذوهم فعُذِّبوا حتى كفروا، وجذع أذن عمار يومئذ، فانطلق عمار إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولاه، فأنزل اللّه في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه: (من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً)، فالذي أكره عمار وأصحابه، والذي شرح بالكفر صدراً، فهو ابن أبي سرح< (2). ويذهب أغلبية العلماء إلى أنه قد ارتد بعد الهجرة، ولكن هذا ليس بالأمر المهم، ولكن المؤكد أن فترة كتابته للقرآن هي الفترة المكية وهو ما يهمنا هنا.

ويذكر الحافظ العسقلاني في معرض حديثه عن اكتفاء الإمام البخاري بذكر كُتَّاب النبي صلى الله عليه وسلم بزيد بن ثابت وأن البخاري قد أفرده بالحديث لكونه من أشهر الكُتَّاب، وإلا فقد كتب للرسول صلى الله عليه وسلم غيره فيقول: >قد كتب الوحي لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم جماعة غير زيد بن ثابت. أما بمكة فلجميع ما نزل بها، لأن زيد بن ثابت إنما أسلم بعد الهجرة ... (1) وقد كتب له قبل زيد بن ثابت أبي بن كعب وهو أول من كتب له بالمدينة. وأول من كتب له بمكة من قريش عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح (2)، وممن كتب له بالجملة: الخلفاء الأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان وابنا سعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد اللّه بن الأرقم الزهري وشرحبيل بن حسن وعبد اللّه بن رواحة ... < (3).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير