تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإذن فنحن لا نستطيع أن نجزم بأن القرآن لم يدون في الفترة المكية، ولكنا على ثقة من أن وسيلة العلم المؤكد لدينا بنبأ هذا الموضوع ليست ميسورةً ولا هي ممكنةً ... وعلى هذا فإنا نلجأ إلى بعض الفروض، ونستند إلى إشارات خفيفة مفرقة في بعض المراجع< (1).

ثم يضيف في موضع آخر: >أن النصوص التي بين أيدينا لا تقطع بأن القرآن كان يدون في العهد المكي ... فقد استمر الوحي ينزل على رسول اللّه عشر سنين في هذه الفترة، ولم تكن ظروف النبي في مكة لتسمح له بحالة من الاستقرار تساعد على التنظيم المنتظم، وكل ما رجحناه هو أن صحفاً معينةً كانت تكتب من القرآن ويتداولها المسلمون سراً، ليتدارسوها في بيوتهم، بعيداً عن أعين قريش وعن أذاها المتصل< (2).

ففي قصة سراقة هذه تفنيد ودحض لما ذهب إليه الكاتب من أن الظروف الصعبة في مكة والملاحقة المستمرة لم تكن لتسمحا للمسلمين بكتابة القرآن! فمما لا ريب فيه أن ظروف النبي صلى الله عليه وسلم في مكة كانت أحسن مما كانت عليه لحظة الخروج من بيته متوجهاً صوب المدينة، والملاحقة كانت في أوجها وبشكل أعنف مما كانت عليه خلال السنوات الثلاث عشر التي قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في مكة، لأن العصبة الماسكة بزمام الأمور كانت تعتبر خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة تهديداً صارخاً لمصالحها ولأمنها، لذا أعلنت الجوائز والمكافآت للإتيان بالنبي صلى الله عليه وسلم حيّاً كان أو ميتاً، ولكن رغم ذلك وكما يتبين من الرواية الصحيحة الصريحة لم يهمل النبي صلى الله عليه وسلم أدوات الكتابة تحسباً لنزول القرآن عليه في أثناء الهجرة. فهل يصح بعد هذا كله أن يدَّعي أحد أن الظروف الصعبة والملاحقة المستمرة وقفتا مانعتين من كتابة القرآن في مكة لذا كان الاعتماد على الحفظ فقط؟!

6. وضع الآيات في أماكنها

قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد اللّه بن عباس عن عثمان بن عفان قال: >كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو من يكتب عنده فيقول: ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ... < الحديث (1).

يمكن الاستدلال بالحديث على أن القرآن المنزل كان كله مكتوباً ـ مكيه ومدينه ـ وإلا فكيف يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ضعوا هذا في الموضع الفلاني، ولا يعقل أن يدعي أحد أن هذا كان المقصود به القرآن المدني دون المكي. ويتضح هذا أكثر إذا ما علمنا أن هناك سوراً عديدةً نزلت في مكة، وبعد عشر سنوات أو أكثر نزلت آيات منها في المدينة كسورة الأعراف وسورة الأنعام (2) وغيرها كثير. ففي المدينة عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرهم بقوله: >ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ... < معناه: أن السور المكية كلها وليس بعضها كانت مكتوبة ومعلومة أماكنها للكتبة من الصحابة وغيرهم.

فإن قيل إن القرآن المكي قد تمت كتابته في المدينة بعدما استقر المقام برسول اللّه صلى الله عليه وسلم هناك، وبعدما كثرت الكتابة وكثر عدد الكتاب من المسلمين واستقر شأنهم. فالجواب أن هذا لم يثبت ولم ينقله أحد ولو بطريق ضعيف، بل لم يقل به أحد. مع العلم أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة قد نقلها الصحابة كاملةً واضحةً تمام الوضوح حتى أبسط دقائق وجزئيات حياته صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة حريصين كل الحرص على نقل كل شيء من سيرته صلى الله عليه وسلم. إذن فكيف يعقل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بكتابة ذلك الزخم الكبير من الآيات والسور التي تعادل ثلثي القرآن ولا ينقلها أحد من الصحابة! فلو حدث ذلك لكان من الأمور التي يذكرها مؤرخو السيرة النبوية ضمن أعماله صلى الله عليه وسلم التي قام بها في المدينة، ولكن لم يحدث ذلك مما يدل على أن القرآن المكي كان كله مكتوباً، فيأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الآيات المدنية في السور المكية التي كتبت في مكة.

7. جمع أبي بكر للقرآن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير