ـ[عصام العويد]ــــــــ[26 Jun 2010, 04:12 م]ـ
4 - وفيها حقيقة الصلاة، وهي حضور القلب واستشعاره لخطاب الرب:
يوضح ذلك الحديث القدسي في صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أن النَّبِي صل1 قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
فإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي،
وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَي عَبْدِي،
وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي،
فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ،
فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
فاستشعر هذا الحوار من الله معك أيها القائم بين يدي ربك.
وهنا فائدة لطيفة:
وهي الترقي في الخطاب من البرهان إلى العيان، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، وكأن المعلومَ صار عياناً، والمعقولَ مشاهداً، والغيبةَ حضوراً.
• كيف جاء الترقي في سورة الفاتحة؟
لو تأملت في أولها سترى أن الخطاب فيه للغائب (الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين)، فلما زدت في ثنائك كأنه أُذن لك فوصلت إلى حضرته سبحانه فأنت تراه وتخاطبه، ولهذا التفت من الغيبة إلى الخطاب فقلت: (إياك نعبد وإياك نستعين) ولم تقل: إياه.
فلما أذن سبحانه لك وأقررت له بتمام العبودية له وحده وكمال الاستعانة به سبحانه؛ طمعت بالمزيد فسألت (اهدنا الصراط ... ).
فتأمل هذا المعنى واستحضره في الصلاة، تجد في قلبك عجباً من تمام الهيبة والرغبة معاً.
يقول ابن كثير:: وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب هو المناسب؛ لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى؛ فلهذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ().
ويقول ابن عاشور:: وما هنا التفات بديع، فإن الحامد لما حمد الله تعالى ووصفه بعظيم الصفات بلغت به الفكرة منتهاها فتخيل نفسه في حضرة الربوبية، فخاطب ربه بالإقبال ().