قال ابن حجر: " وكأن ابن مسعود رأى خلاف ما رأى عثمان ومن وافقه في الاقتصار على قراءة واحدة وإلغاء ما عدا ذلك، أو كان لا ينكر الاقتصار لما في عدمه من الاختلاف، بل كان يريد أن تكون قراءته هي التي يعول عليها دون غيرها لما له من المزية في ذلك مما ليس لغيره كما يؤخذ ذلك من ظاهر كلامه، فلما فاته ذلك ورأى أن الاقتصار على قراءة زيد ترجيح بغير مرجح عنده اختار استمرار القراءة على ما كانت عليه " (4).
وقد تبين لنا أن كبار الصحابة رض3 قد اتفقوا على جمع الناس على قراءة واحدة وترك ما سواها.
قال ابن كثير: " أما أمره بغَلّ المصاحف وكتمانها، فقد أنكره عليه غير واحد" (5).
وقال الزهري: " فبلغني أن ذلك كرهه من مقالة ابن مسعود رجالٌ من أفاضل أصحاب النبيصل1 " (6).
وأما إنكاره رض1 على عدم اختياره في نسخ المصاحف فالْعذر لعثمان رض1 في ذلك أنَه فعله بالمدينة وَعبد الله في الكوفة، ولم يؤخر ما عزم عليه من ذلك إلى أن يرسل إليه ويحضر. وأيضا فإن عثمان أراد نسخ الصحف التي كانت جمعت في عهد أبي بكر، وأن يجعلها مصحفا واحدا، وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبي بكر هو زيد بن ثابت لكونه كاتب الوحي، فَكَانَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوَّلِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِه (7).
وتقديم زيد رض1 إنما كان لأنه كان يكتب الوحي لرسول الله صل1، فهو إمام في الرسم، وعبد الله إمام في الأداء، كما أن زيد هو أحدث القوم بالعرضة الأخيرة التي عرضها النبيصل1 عام توفي على جبريل (8).
وبهذا يتبين لنا موقف عبد الله بن مسعود رض1، وأنه كان اجتهادا له مبرراته، كما يتبين لنا تفنيده والرد عليه، ففي مصحفه رض1 أشياء كثيرة قد نسخت، ولم يكن اجتماع الصحابة رض3 إلا على الحق الذي ارتضاه الله تعالى لكتابه بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــ
(1) المصاحف لابن أبي داوود 1/ 177 - 178
(2) شرح مسلم 8/ 317
(3) المصاحف لابن أبي داوود 1/ 183 - 191
(4) الفتح 9/ 49
(5) تفسير ابن كثير 1/ 31
(6) سنن الترمذي 3104 باب ومن سورة التوبة.
(7) الفتح 9/ 19 - 20
(8) الذهبي: السير 1/ 488
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[25 Jun 2010, 12:39 م]ـ
حياك الله أخي العبادي , ولكن ماذا حصل بعد قول عبد الله رض1 وهل سلم المصحف. وهل أنكر بعد ذلك فعل عثمان؟ أم استقر الأمر بما فعل عثمان وانعقد الإجماع على مصحفه؟
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[25 Jun 2010, 02:05 م]ـ
وحياك الله أخي مجدي.
فعل ابن مسعود رض1 لا أثر له في حصول الإجماع بارك الله فيك.
فسواء قيل إنه رض1 توقف في بداية الأمر ثم أحرق مصحفه كما فعل الناس، أو إنه أُحرق بعده بزمن، فمعرفة مثل هذا لا تؤثر في حصول الإجماع على المصحف الإمام.
فابن مسعود إنما كره أن يَترك قراءته هو للأسباب التي ذكرناها، لكنه لم يلزم غيره بهذه القراءة، فالناس جميعا قد أجمعوا على أن ما بين دفتي مصحف الإمام هو الثابت في العرضة الأخيرة لرسول الله صل1، وما سوى ذلك إنما هو منسوخ أو منكر أو شاذ.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[25 Jun 2010, 07:51 م]ـ
هل ثبتت الرواية عن ابن مسعود في رفضه حرق مصحفه .. ؟
حسبتُ أنه لم يثبت عنه إلا احتجاجه على تكليف زيد بن ثابت بجمع المصحف ..
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[25 Jun 2010, 09:14 م]ـ
القول فيما سألت عنه هو ما ذكره أخي محمد من أن موقف ابن مسعود http://1.1.1.3/bmi/www.tafsir.net/vb/images/smilies/anho.png لا يؤثر في الإجماع الذي انعقد بكبار الصحابة http://1.1.1.1/bmi/www.tafsir.net/vb/images/smilies/anhm.png.
على رأي أبي أروى -رحمه الله- بل يؤثر وستين يؤثر كمان ..
وهذا بالطبع بقطع النظر عن ثبوت القول فالرجوع أو عدم ثبوتهما أو ثبوت الأول فقط ..
فالمقصود: أنه لا انعقاد للإجماع مع مخالفة واحد من الصحابة ..
سم ما حصل ما تشاء = أما الإجماع فلا ..
ـ[خالد السليماني]ــــــــ[26 Jun 2010, 02:11 ص]ـ
الإخوة الأكارم نفع الله بكم
أولا: أنا مع أبي فهر في قوله
لا إجماع مع مخالفة صحابي واحد أبدا, وهذا هو المشكل هنا.
إنكار ابن مسعود مشهور معروف لا يخفى على مصعب.
ومع ذلك نقل الإجماع على عدم اعتراض أحد من الناس.!!
فهل ذكر أحد من أهل العلم أن أثر مصعب - هذا - دليل على رجوع ابن مسعود؟؟
أتمنا من الإخوة أن يفيدوني بهذا.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[26 Jun 2010, 03:33 ص]ـ
أحسب والله أعلم أن الرواية في رفض ابن مسعود رضي الله عنه حرق مصحفه لم تصح ..
لكن صح عنه بجلاء اعتراضه على تولية زيد بن ثابت جمع القرآن ..
وعلى هذا فيصح الإجماع المذكور ..
والله أعلم.
ـ[محمد الطاسان]ــــــــ[26 Jun 2010, 04:39 ص]ـ
ما ذكره الأخ الكريم صاحب العنوان أحد الأدلة على رجوع الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رض1 عن تمسكه بقراءته -وهذا هو الثابت عنه في موقفه عندما حمل عثمان رض1 الناس على ما في المصاحف العثمانية وهو التمسك بقراءته فقط وما سواه من كونه سيغل مصحفه أو أمره الناس بغل مصاحفهم فلا يثبت-.
وهذه المسألة وهي موقف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رض1عندما حمل عثمانُرض1 والصحابةُرض3معه الناسَ على ما في المصاحف العثمانية وجميع ما روي عنه في هذا الباب وموقف العلماء من المروي عنه هي ضمن فصل حكم مصاحف الصحابة رض11 وموقفهم من المصاحف الإمام وهو أحد فصول رسالتي الماجستير:" المصاحف المنسوبة للصاحابة رض3 قبل الجمع الذي قام به عثمان والرد على الشبهات المثارة حوله " التسعة والموزعة على ثلاثة أبواب.
والبحث في مراحله الأخيرة -أسأل الله الأعانة والتوفيق والسداد- وبإشراف شيخي الكريم أ. د إبراهيم الدوسري حفظه الله وبارك فيه، وقد تطلب البحث دراسة عشرات من الأحاديث والروايات والأسانيد واستغرق من الوقت إلى الآن أكثر من سنتين.
والإجماع منعقد من عصر الصحابةرض3 على المصاحف العثمانية بلا مرية ولا مثنوية.
هذا ما لدي باختصار لضيق الوقت ولعلي بعد الانتهاء من البحث أعود لطرح عدد من مسائله -بمشيئة الله-.
¥