تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 – التشريع الإجمالي في أول عهد التشريع لأمرٍ ما، ثم التوسع في بيان مسائل كثيرة مفصلة لهذا الإجمال، كما هو الحال في تشريع الجهاد الذى بدأ بالإذن به بقوله تعالى: " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير " [الحج: 39]، ثم تلا ذلك تفصيل أحكام الجهاد، حيث شرعت كيفية الاستعداد له، وأحكام الأسرى، والتخلف عن الجهاد، والإنفاق عليه، وكيفية أداء الصلوات أثناء القتال، وهكذا.

3 – التدرج في إلغاء بعض العادات المتأصلة، على مراحل، كما هو الحال في مسألة تحريم الخمر والميسر حيث تم ذلك على ثلاث مراحل بدأت بنزول قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} (البقرة: 219) وهي آية أومأت إلى خطورة كل من الخمر والميسر وهي بالنسبة للصحابة خطوة في الاتجاه للتحريم وبالنسبة لنا هي من النصوص المحرمة للخمر لأنها ذكرت لنا أن أضرار الخمر أكبر من منافعها، والقاعدة عندنا "أنه إذا غلبت المفسدة المصلحة في شيء فإنه يحرم بل إذا تساوتا أيضا يحرم لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"

ثم نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} (النساء: 43) وذلك حين شرب الخمر أحد الصحابة فصلى بالناس إماما فهذى في صلاته فنهوا عن شربها في أوقات الصلوات، فكانوا لا يشربونها إلا بعد صلاة العشاء، وما قلناه تعليقا على الاية السابقة ايضا يصلح هنا وهو أن هذه الآية بالنسبة للصحابة خطوة في الاتجاه للتحريم الشامل وبالنسبة لنا هي من النصوص المحرمة للخمر بأبلغ طريق وأسده، لأن الصلاة عماد الدين ومظهر الإيمان الذي لا يختلف حوله، بل إن القرآن لم يسم أي عبادة إيمانا إلاها، وذلك في قوله سبحانه {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة:143) فإذا نهى القرآن عن قربانها على أهميتها وضرورتها بسبب السكر كان هذا تحريما للسكر بأبلغ طريق، لأن الامتناع عن أداء الصلاة، هو محرم في الإسلام، وما يجر إلى الحرام هو حرام، فإذا أدى السكر إلى عدم قربانها فهو حرام، لأنه جر إلى حرام.

ومن هذه الناحية يثبت لدينا أن هذه الآية أيضا نص في التحريم.

وأيا ما كان فليس هناك شك في أن الجيل الأول من المخاطبين قد التفتوا وانتبهوا إلى خطورة الخمر من خلال المرحلتين السابقتين وقد صارت النفوس مهيأة لاستقبال الحكم النهائي بل إن بعضهم كان يتعجله كعمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يقول:

اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، وفي هذه الظروف تنزل هذه الآية التي تقطع كل احتمال وتجزم بالتحريم القاطع وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (المائدة: 90، 91)

4 – التدرج بالمخطئين في تقرير بعض العقوبات عليهم من اليسير إلى الشديد، كما هو الحال فى عقوبة الزناة التى كانت أول التشريع إيذاء وحبسا في البيوت، حتى يظهر منهم التوبة والصلاح (انظر: الزنى)

قال تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً* وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً} (النساء:15،16)

إلى أن أفصح عن العقوبة بعد ذلك فكان الجلد للزاني غير المحصن، والرجم للمحصن.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير