تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولما كان من يقول ما لا يفعل يصير متهِمًا لكل من يكلِّمُه، فيُضمِرُ عداوة كل الناس، فيكسِبُه ذلك أشدّ الجبن، وهو السبب الأعظم في تحسين قوله، قال عز وجل مزهّدا فيهم بالكلية، مُعلِما بغاية جُبنهم وخوفهم وعدم إغناء تلك الجسوم الحسنة شيئا: ??? بضعف عقولهم وفرط ارتيابهم لكثرة ما يباشرون من سوء أعمالهم ? ? ? ? من نداء مناد ـ في العسكر لمصلحة أو إنشاد ضالة ـ واقعة ??? ? نازلة بهم، فهم أبدًا في رعب شنيع وخوف فضيع من انكشاف أسرارهم ونزول أهتاكهم وأستارهم المبيحة لدمائهم وأموالهم، فقد كان المنافقون على وَجل عظيم وخوف شديد من أن ينزل الله على رسوله ? في شأنهم قرآنا كريما يهتك أستارهم ويفضحها، ويكشف أسرارهم ويشرحها، ويبيح دماءهم وأموالهم، كما وقع في سورة التوبة من بيان شؤونهم وكشفها وإطلاع الرسول عليها، ومن ثم سُمِّيت بالفاضحة، فيحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أو غيره أنها عليهم، وأنه ? قد أمر بقتلهم، فهم أبدًا وجلون من أن ينزل الله فيهم أمرًا لا تبقى لهم معه دماء ولا أموال.

فبان سبب تزعزع بواطنهم واضطراب أحشائهم، وإدامة إضمارهم السوء مكرًا بالمؤمنين، ومن ثم زاد في التحذير منهم بأنهم ?? ? ? الكاملون في العداوة للرسول ? والمؤمنين، الراسخون بعراقتهم فيها ودوامهم عليها بطونا، وأخذهم في حيلها وتربص الدوائر والغوائل كمونا.

? ??? جهدك، ولا تطمئن لهم لأنهم في شدة عدواتهم للإسلام وأهله وسعيهم فيها على قلب واحد، وإن أظهروا التردد في الكلام والتقرب إلى أهل الإسلام؛ لأن ألسنتهم معك وقلوبهم عليك مع أعدائك، فهم عيون لهم عليك.

ومن ثم دعا عليهم سبحانه وتعالى بقوله: ?? ?? ? وطلب بكلامه الأزلي من ذاته العلية ونفسه القدسية أن يلعنهم بالطرد من رحمته والبُعد من كرامته، فلا يُقبِلون عليه، ولا يتوجَّهون إليه، فيستمرون في درك الخسران والحضيض الأسفل من الذلة والهوان.

واعلم أن حال المنافقين في غاية العجب في انصرافهم عن الحق والنور المبين إلى ما هم عليه من الكفر والضلالات بعد قيام البراهين والآيات البينات، ومن ثم دل عليه الحق عز وجل بقوله معجّبا: ?? ?? ? أي: فليتعجب المتعجبون وليتأمل المتأملون كيف يصرفون بسوء اختيارهم كسبًا عن الدين الحق والهدى البحت المختار لكل عاقل إلى ما هم موَطِّنون أنفسهم عليه من الكفر بالله ورسوله والضلال الزائغين به عن سلوك سبيل الهدى والغي الحائدين بسببه عن المراد.

ولما كان ما عليه المنافقون أمرًا عظيما قاطعا عن الله تعالى ورسوله، فيحتاجون حاجة شديدةً إلى التطهير، لا يطهِّرهم غاية الطهر إلا سؤال النبي ?، وكانوا لم يفعلوا ذلك استكبارا، دلَّ عز وجل على سوء بواطنهم بقوله: ?? ? ?? من أي قائل كان من المؤمنين بطريق النصيحة لهم: ? ? ? رافعين أنفسكم عن أسفل الحضيض، مجتهدين في ذلك بالمجيء إلى أشرف الخلق ? ? پ پ پ ? ويسأل من ربه الغفران لأجلكم بعد متابكم من هذا النفاق المصرين عليه والشقاق المتوجهين إليه ? پ ?? وصرفوها إلى جهة أخرى إعراضًا واستكبارًا لشدة ما في بواطنهم من المرض، ?? ?? ويعرضون إعراضًا عن القائل لهم ذلك أنفةً أن ينحطوا إليه ويقبلوا نُصحَه، أو إعراضًا عن الاستغفار لهم من الرسول شماخة وتكبرًا، فلا يقبلون ما دُعوا إليه، مجددين لذلك كلما دعوا إليه ? ? ? ?? ومستنكفون عن ذلك القول أو الاستغفار.

ثم بين الله عدم تأهّل المنافقين للاستغفار لهم لعدم إيمانهم، فقال عز وجل لنبيه ?: ?? ? ? ?? ذنوبهم بسؤال مَحْوِ عينها ومَحْقِ أثرها في الوقت الذي جاءوك فيه معتذرين إليك بإبداءِ العذر من جنايتهم الكفرية ظاهرًا وقلوبهم كافرة أبية ?? ? ٹ ٹ? في الوقت الذي لم يأتوك فيه معتذرين، بل أصروا مقيمين على قبائحهم مرتبكين في فضائحهم معرضين عن سؤال الاستغفار منك أنفةً من الاعتذار إليك من جنايتهم، فهما سيان في حقهم لعدم جريهم على مقتضى الإيمان الحقيقي وعدم سيرهم على المنهج السويّ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير