تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد وقف الإمام الطوفي على إشكال علم التفسير فقال: "إنه لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير, وما أطبق عليه أصحاب التفاسير، ولم أجد أحدا منهم كشفه في ما ألفه, ولا نحاه في ما نحاه، فتقاضتني النفس الطالبة للتحقيق, الناكبة عن جمر الطريق, لوضع قانون يعوّل عليه ويصار في هذا الفن إليه" (4) , إلا أنه لم يفعل وليته فعل.

وفي عصرنا الحالي, وفي محاولة بناء أصول وقواعد علم التفسير, أشار الدارسون المعاصرون إلى أن مباحث هذا العلم مبثوثة في علوم شرعية متنوعة, منها: علم أصول الفقه, والتفسير, واللغة العربية, فعلم أصول الفقه مؤهل لضبط العملية التفسيرية، على اعتبار أنه علم محكم البناء من حيث مصطلحاته و قواعده و مناهجه، و أن الأساس الذي بني عليه من حيث التدوين و التصنيف، إنما هو حل لمشكلة الفهم اللغوي الخاص، للدليل الشرعي, سواء من حيث مقاصده الدلالية، أو متعارضاته الإشكالية (5).

كما أنه امتاز بضبط قواعد الدلالة, حاصرا طرقها: منطوقا ومفهوما، و مرتبا مراتبها: نصا و ظهورا و إجمالا، و مفصلا فيما يتصل بالأحكام من وجوهها: الأمر والنهي، و العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، ومحددا شروط التأويل و قواعد الترجيح (6).

وقد أكد السكّاكي في "مفتاح العلوم", على أن علم أصول الفقه, والبلاغة مؤهلين لضبط العملية التفسيرية، حيث قال: "ولله در التنزيل، لايتأمل العالم آية إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر ... لأن المقصود لم يكن مجرد الإرشاد لكيفية اجتناء ثمرات علمي المعاني و البيان، و أن لا علم في باب التفسير بعد علم الأصول أقرأ منهما على المرء لمراد الله من كلامه (7).

أما اللغة العربية فلأن النص القرآني هو نص لغوي، و أن الله عز و جل خاطب العرب بلسانهم, و على معهودهم في التخاطب و الكلام, وأن علماء العربية وهم يقعّدون قواعد النحو و الإعراب, كان في حسبانهم تحدي فهم الخطاب الشرعي, خاصة مع ظهور اللحن الصوتي و الصرفي, و أيضا المفهومي في ظل اتساع الرقعة الإسلامية, و دخول أمم أعجمية في الإسلام, وقل نفس الأمر في نشوء علم البلاغة, إذ كان تحدي الإعجاز القرآني حاضرا في أذهانهم.

فتحدي فهم و بيان معاني و أسرار القرآن الكريم كان حاضرا منذ زمن التأسيس و التقعيد اللغوي, وإن النص -أي نص- هو بناء لغوي قائم على قواعد اللغة و نظامها، مما يعطي للتحليل اللغوي أهميته في الكشف عن المعنى, لهذا فقد عد العلماء علوم اللغة أول العلوم التي يحتاج إليها مفسر القرآن, بل جزم الكافيجي بأن قواعد التفسير"مكتسبة من تتبع لغة العرب" (8).

والمقصود باللغة جميع مستويات الدرس اللغوي العربي: " كالأصوات، والصرف، والنحو", إذ إنها مجتمعة, تكوّن أداة التحليل اللغوية الكبرى، ذلك أن هذه المستويات ترى منفصلة من حيث الصناعة، لأغراض منهجية فقط, في حين أنها تكون في مجملها الوسيلة الناجحة الكبرى لتحليل النصوص" (9).

أما مافي كتب التفاسير، فالمقصود بها القواعد التي يضعها المفسّر, و هو يمارس عملية التفسير, في محاولة للتأصيل لمفهوم يريد تأصيله، أو في نقده لتفسير اختل فيه ضابط من الضوابط، أوفي مجالات أخرى (10)

ويمكن أن نقول: إن هذه العلوم تحتوي على مباحث وقواعد لعلم أصول التفسير، لكن تحتاج إلى بناء نظري منظّم, يحدّد و ينظم العلاقة بين مكوناته، متى و كيف نُعمل هذه القاعدة أو هذا الأصل؟ , و ما هي مستويات ذلك؟ , و هل كل القواعد على مستوى واحد في الكفاية التفسيرية؟ ... أي فلسفة علم التفسير، ليرتقي إلى مستوى العلوم الناضجة, من حيث المصطلحات و القواعد و المناهج.

وإيجاد علم أصول التفسير يكفينا همّ العبث بالنصوص الشرعية, و ليِّ أعناقها، كما يضبط لنا عملية الفهم عن الله تعالى, واستنباط الأحكام الشرعية من مظانها؛ بل يكون قانونا محكما فيما يسمى بمقاصد الشريعة، ذلك أن القصد يفهم من اللفظ, ومن النص الشرعي، فيجيبنا علم أصول التفسير عن السؤال العلمي: كيف دلك هذا اللفظ أو هذا النص, على هذا المعنى أو هذا الحكم؟ , و قس على ذلك من القضايا والمستجدات الطارئة على الفكر الإسلامي اليوم، كمسألة السنن التاريخية والاجتماعية في القرآن الكريم، وقضايا التشريع الجنائي، والنوازل الفقهية في الطب و غيره.

رابط الموضوع:

http://www.alqlm.com/index.cfm?method=home.con&contentID=427

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الهامش:

(1) الإكسير في علم التفسير للطوفي ص/33 و ما بعدها.

(2) تأويل مختلف الحديث لإبن قتيبة ص/ 55.

(3) مقدمة في أصول التفسير ص/33.

(4) الإكسير في علم التفسير للطوفي ص/ 27.

(5) المصطلح الأصولي, د/ فريد الأنصاري, ص/124 - 425 بتصرف.

(6) التفسير اللغوي للقرآن الكريم، ص/ 96.

(7) مفتاح العلوم للسكاكي ص/421.

(8) المرجع السابق ص/ 7 - 8 بتصرف.

(9) تحليل النصوص: المفهوم و الضوابط, د/ حسين كنوان مجلة التسامح - العدد 11 - السنة الثالثة, ص/134.

(10) المرجع السابق, ص/ 19.

المصدر:شبكة القلم الفكرية ( http://www.alqlm.com/index.cfm?method=home.con&contentID=427)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير