والحديثة.
وثالثها: إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بتقديم كفرهم وخلافهم وشقاقهم وتعنتهم مع الأنبياء ومعاندتهم لهم وبلوغهم في ذلك ما لم يبلغه أحد من الأمم قبلهم، وذلك لأنهم بعد مشاهدتهم الآيات الباهرة عبدوا العجل بعد مفارقة موسى عليه السلام إياهم بالمدة اليسيرة، فدل على بلادتهم، ثم لما أمروا بدخول الباب سجداً وأن يقولوا حطة ووعدهم أن يغفر لهم خطاياهم ويزيد في ثواب محسنهم بدلوا القول وفسقوا، ثم سألوا الفوم والبصل بدل المن والسلوى، ثم امتنعوا من قبول التوراة بعد إيمانهم بموسى وضمانهم له بالمواثيق أن يؤمنوا به وينقادوا لما يأتي به حتى رفع فوقهم الجبل ثم استحلوا الصيد في السبت واعتدوا، ثم لما أمروا بذبح البقرة شافهوا موسى عليه السلام بقولهم: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} (البقرة: 67)، ثم لما شاهدوا إحياء الموتى ازدادوا قسوة، فكأن الله تعالى يقول: إذا كانت هذه أفعالهم فيما بينهم ومعاملاتهم مع نبيهم الذي أعزهم الله به وأنقذهم من الرق والآفة بسببه، فغير بديع ما يعامل به أخلافهم محمداً عليه الصلاة والسلام، فليهن عليكم أيها النبي والمؤمنون ما ترونه من عنادهم وإعراضهم عن الحق. ورابعها: تحذير أهل الكتاب الموجودين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من نزول العذاب عليهم كما نزل بأسلافهم في تلك الوقائع المعدودة.
وخامسها: تحذير مشركي العرب أن ينزل العذاب عليهم كما نزل على أولئك اليهود.
وسادسها: أنه احتجاج على مشركي العرب المنكرين للإعادة مع إقرارهم بالابتداء، وهو المراد من قوله تعالى: {كذلك يُحْيىِ الله الموتى} (البقرة: 73) ". ([17] ( http://www.tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=108618#_ftn17))
وكذلك نجد المفسرين بعد الرازي عنوا بذكر أقوال الإمام القفال،والأمثلة في هذا كثيرة، ومنها على سبيل المثال:
ـ في قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)} (سورة البقرة).
قال أبو حيان:" والزمخشري على طريقته الاعتزالية يقول: إسناد الضلال إلى الله تعالى إسناد إلى السبب، لأنه لما ضرب به المثل فضل به قوم واهتدى به قوم تسبب لضلالهم وهداهم.
وقيل: يضل بمعنى يعذب، كقوله تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسعر} (سورة القمر آية 47)، قاله بعض المعتزلة، وردّ القفال هذا وقال: بل المراد في الشاهد في ضلال عن الحق". ([18] ( http://www.tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=108618#_ftn18))
ـ وكذلك في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} (سورة البقرة).
قال أبو حيان:" فسر لفظ الخاسرون بالناقصين حظوظهم وشرفهم، وبالهالكين، وسبب خسرانهم استبدالهم النقض بالوفاء، والقطع بالوصل، والإفساد بالإصلاح، وعقابها بالثواب، وقيل: الخاسرون المغبونون بفوت المثوبة ولزوم العقوبة وقيل: خسروا نعيم الآخرة، وقيل: خسروا حسناتهم التي عملوها، أحبطوها بكفرهم.
والآية في اليهود، ولهم أعمال في شريعتهم وفي المنافقين، وهم يعملون في الظاهر عمل المخلصين.
قال القفال: الخاسر اسم عام يقع على كل من عمل عملاً يجزى عليه". ([19] ( http://www.tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=108618#_ftn19))
ـ وقال في قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} (سورة البقرة):" قال القفال:" التلقي التعرض للقاء، ثم يوضع موضع القبول والأخذ، ومنه: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} (سورة النمل آية:6) تلقيت هذه الكلمة من فلان: أخذتها منه" ([20] ( http://www.tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=108618#_ftn20)).
¥