وقال تعالى في سورة الأحقاف (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30))
وسؤالي هو ما دلالة الاختلاف بين التعبير بلفظ قرآن في سورة الجن والتعبير بلفظ كتاب في سورة الأحقاف؟
أولا: اعتقد أنه يجب التفريق بين كلام الله وكلام الجن، فالله أخبر عن ما قالته الجن بكلامه هو الذي لا يشبه أي كلام، بعبارة أخرى أن هذا الذي أخبر الله تعالى به ليس هو نص كلام الجن في الموضعين.
ثانياً: أنهم ربما وصفوه بالقرآن مرة ووصفوه بالكتاب مرة أخرى فأخبر عن كل قول في موضع.
ثالثاً: سورة الأحقاف كانت تتحدث عن القرآن ككتاب، قال تعالى:
(حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)) الأحقاف
ثم إن الله تعالى ذكر أن هذا الكتاب مسبوق بكتاب موسى وجاء هذا مصدقا له:
(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) الأحقاف (12)
فناسب عند الحديث عن الجن أن يذكره بوصف الكتاب للدلالة على أنه كتاب مع أنه ذكره في الآية السابقة باسمه العلم " القرآن":
(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)) الأحقاف
وفي ذلك دلالة على أن رسالات الله إلى البشر رسالات مكتوبة في كٌتب فهي متحدة في وصفها مختلفة في مسمياتها: توراة، زبور، إنجيل، قرآن.
هذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[07 Jul 2010, 06:11 ص]ـ
جزاكم الله خيراً أيها الأفاضل على ما تفضلتم به من ردود وافية. وما كان سؤالي إلا للتأمل في استخدام اللفظين كتاب وقرآن مع أن المتكلم واحد وهم الجنّ. فبارك الله لكم وزادكم علماً.
ـ[محمد نصيف]ــــــــ[07 Jul 2010, 07:05 ص]ـ
يحتاج من يجيب على مثل هذا السؤال إلى عدة أمور قبل أن يجيب:
1/ الفرق اللغوي الدقيق بين الكلمتين (هذا متعلق بعلم متن اللغة).
2/ استقراء جميع الآيات المتعلقة بالكلمتين، وعدم الاكتفاء ببعض المواضع؛ لأن هذا سيجعل التصور ناقصاً.
3/ الاطلاع على كلام أهل التفسير- وأخص في هذا الموضع البقاعي لاهتمامه بالألفاظ القريبة من المترادفة أكثر من غيره، وقد اهتم بهاتين اللفظتين خصوصاً-.
4/ ملاحظة أن (القرآن) قُرِئت بوجهين في القراءات المتواترة عن النبي صلى الله عليه فالقرآن بالمد والقصر يختلف بهما المعنى ولا يتناقض (متعلق بعلم القراءات)، ولا بد من استحضار المعنيين عند التوجيه.
5/ معرفة مقاصد كل من سورتي الأحقاف والجن وتأريخ نزولهما وهل الآيات تصف حادثتين أم حادثة واحدة (هذا متعلق بعدد من علوم القرآن مع السيرة النبوية).
وقد ربطت بعض المسائل ببعض العلوم عمداً كي لا يظن أحد أن تحديدَ كون الآيات تصف حادثة أو حادثتين -مثلاً- أمرٌ ذوقي يجتهد فيه من شاء بما شاء.
ومما يلاحظ وينبغي التنبه له أثناءالبحث أن الكتاب يشار إليه باسم الإشارة للبعيد (ذلك)، والقرآن يشار إليه باسم الإشارة للقريب (هذا)، وهذا الأمر يحتاج أيضاً إلى استقراء لمعرفة اطراده في كتاب الله.
وفي النهاية فقد كتبت ما كتبته رغبة في تذكير نفسي ومن أحب في الله بأن الكلام على أي معنى في القرآن لا يصح أن يستعجل فيه الإنسان بل لا بد أن يعد له العدة اللائقة به، والله أعلم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Jul 2010, 07:21 ص]ـ
أشكر الدكتورة سمر على إثارتها للموضوع وفقها الله، وأشكر كل المعقبين والمجيبين على ما تفضلوا به وأفادوا.
وأحب التأكيد على الكلام الذي ذكره صديقنا العزيز الدكتور محمد نصيف وفقه الله ورعاه فهو كلام رائع جداً، كنتُ أتمنى أن أكتبه من زمن تعليقاً على التوجيهات البلاغية والبيانية للآيات القرآنية، وقد كنتُ جمعتُ بعض ضوابطه من خلال قراءتي في كتب الدكتور محمد أبو موسى حفظه الله وغيره من أهل العمق في توجيه الآيات من حيث البلاغة والبيان، رغبة في نشرها يوماً في الملتقى، ولكن لا كلام لي الآن مع وجود الدكتور محمد نصيف.
وهي مسألةٌ أَتَمنَّى أن تخرج في مقالة مستقلة من الدكتور محمد نصيف في الملتقى العلمي مع زيادات وإضافات وأمثلة لتكون نبراساً للباحثين، وأقترح أن يكون الموضوع بعنوان:
ضوابط التوجيه البياني للآيات القرآنية
إعداد
د. محمد بن عبدالعزيز نصيف
(يا أبا هاجر! أرجوك لا تقل لي: خَلّهْ بَحث ترقية تكفى http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif)
¥