تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قول ضعيف: قال الفرّاء: التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد يستمعل أيضاً في أن يتحدّثوا به، وإن لم يكن بينهم سؤال. قال الله تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} [الطور: 25] {قَالَ قَائِلٌ

مّنْهُمْ إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ} [الصافات: 51] الآية، وهذا يدل على أنه التحدّث) (إنتهى نقله عنه الشوكاني والرازي في تفسيريهما لهذه الآية)

أقول وليس كذلك الأمر فإن التسائل في اللغة يراد به معنيان الأول ان يسأل بعضهم بعضا والثاني أن يحدث بعضهم بعضاً دون سؤالٍ كما ذكر الفراء فتحديد أحدهما يحتاج إلى قرينة من القرآن في سياق الآية هذه وليس من سياق آية أخرى!

فتحديد الفراء رحمه الله لهذا المعنى يحتاج قرينة تدل على أنه التحدث وحسب هنا ولا قرينة وإنما هو احتمال فالصواب أنه يشمل المعنيان وهو تحدثهم سائلين بعضهم بعضهم بعضاً في ذلك.

شبهة وجوابها: قد يثير بعض أعداء الدين شبهة هنا فيقولون كيف يسأل ربكم هذا أليس هو يعلم الغيب!.

وهذا طرع أعوج ينم عن جهل عظيم بلغة العرب وأساليبهم في الخطاب وذلك أن هذا من أساليب الإستنكار التوبيخ والتقريع والتهديد عند العرب بل وعند غيرهم وذلك أنك ترى أن الأب إذا أراد توبيخ ابنه وتقريعه بشيء ما قال له عَمَّ تسأل ولله المثل الأعلى فمعلومٌ أنه سبحانه هنا لا يسأل سؤال جاهلٍ عياذاً بالله وإنما يسأل سؤال عالم بحقيقة الحال والمآل موبخا ومهددا ومخوفا ومقرعا لا إستفهاما ويدل على ذلك سياق الآيات بعد هذه الآية (الآية 2 إلى الآية 28) إذ يقول سبحانه بعد ذلك: عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) سورة النباء) والآيات بعد ذلك وهذا فيه من التوبيخ والتقريع والتهديد والتخويف لأهل الكفر ما لا يخفى ففيه بيان عظم ذلك النبأ وتكرار أنهم سيعلمون وتقريعهم وتوبيخهم بأنه خلق لهم نِعَماً كثيرةً إمتناناً منه ومع ذلك يكفرون ولذلك قال سبحانه بعد تعداده تلك النعم: (إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)) سورة النبأ.

وكذلك يريد سبحانه من هذا السؤال التفخيم لما كان المشركون يتسائلون عنه فيما بينهم وهو البعث بعد الموت الذي أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم

ملاحظة: ذكر بعض العلماء قولين آخرين وهو أن التسائل وقع بين الكفار والمؤمنين والقول الثالث أن يكون التسائل حصل بين الكفار والنبي صلى الله عليه وسلم فأقول في القولين بُعْدٌ لأن الآيات بعد ذلك (الآية 4 إلى الآية 28) فيها تقريع للمتسائلين أي للطرفين السائل والمجيب ولا يمكن أن يكون ذلك التقريع للمؤمنين ولا من باب أولى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى هذا ذهب الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (31/ 4) إذ قال رحمه الله: (المسألة السادسة أولئك الذين كانوا يتساءلون من هم فيه احتمالات الاحتمال الأول أنهم هم الكفار والدليل عليه قوله تعالى كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (النبأ 5 4) الضمير في يتساءلون وهم فيه مختلفون وسيعلمون راجع إلى شيء واحد وقوله كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ تهديد والتهديد لا يليق إلا بالكفار فثبت أن الضمير في قوله يَتَسَاءلُونَ عائد إلى الكفار فإن قيل فما تصنع بقوله هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ مع أن الكفار كانوا متفقين في إنكار الحشر قلنا لا نسلم أنهم كانوا متفقين في إنكار الحشر وذلك لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني وهم جمهور النصارى وأما المعاد الجسماني فمنهم من كان شاكاً فيه كقوله وَمَا أَظُنُّ السَّاعَة َ قَائِمَة ً وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى (فصلت 50) ومنهم من أصر على الإنكار ويقول إِنْ هِى َ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (المؤمنون 37) ومنهم من كان مقرّاً به لكنه كان منكراً لنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد حصل اختلافهم فيه .. ) (إنتهى)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير