يقول تعالى وجعلنا الجبال الشاهقة الطول أوتاداً للأرض ألقيناها في لُبّها ونصبناها قائمة من فوقها كالأوتاد التي تثبت خيمة البيت تُرسي الأرض وتُثَبّتُها وتُثقلها لتحفظ توازنها فتسكن وتَثبُتَ ولا تميد بكم ولا تتحرك ولا تضطرب ولا تميل بمن عليها من الناس وغيرهم من المخلوقات والأبنية فلا تسقط عليكم فصارت الأرض قراراً مستقرةً ساكنةً ثابتةً
روى ابن جرير في تفسيره (24/ 151) عن قتادة في قوله تعالى: ((وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) يقول: والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم) إنتهى وهذا جزء من الأثر السابق في الآية السابقة وهو تفسير للقرآن في القرآن فدليله ما جاء في القرآن في ذلك في مواضع عديدة منها قوله تعالى: ({وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15} [النحل: 15] أي كي لا تميد بكم والمراد كي لا تتحرك وتميل بكم وتضطرب قال ابن منظور في لسان العرب - (3/ 411) (ميد): (ومادَ الشيءُ يَمِيدُ مَيْداً تحرّك ومال) (إنتهى) وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 563): (ولا تميد، أي: تضطرب بما عليها من الحيوان فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك) (إنتهى)
وكلام العلماء في تفسير الآية لا يتعدى ما ذكرنا قال ابن كثير في تفسيره (8/ 302): ({وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: جعلها لها أوتادًا أرساها بها وثبتها وقرّرها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها.) (إنتهى)
وقال الشوكاني في تفسيره (5/ 364): (والأوتاد جمع وتد أي جعلنا الجبال أوتادا للأرض لتسكن ولا تتحرك كما يرسي الخيام بالأوتاد) (إنتهى)
وقال العلامة أبو بكر الجزائري في تفسيره الرائق (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير) (9/ 419): (الجبال أوتادا تثبت الأرض بها فيأمنون على حياتهم من الميدان وسقوط كل بناء)
فائدة: قال أسعد حود في تفسيره (أيسر التفاسير): (الوَتِدُ هو قِطْعَةٌ مِنَ الخَشَبِ عَلَى شَكْلِ مِسْمَارٍ يُدَقُّ فِي الأَرْضِ لِتُشَدَّ إِلَيْهِ الخَيْمَةُ.) (إنتهى) وقال الزنداني في كتابه (البينة العلمية في القرآن): (والوتد يكون منه جزء ظاهر على سطح الأرض، ومعظمه غائر فيها، ووظيفته التثبيت لغيره.) (إنتهى) وقال زغلول النجار في بحث له بعنوان (الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية): (والأوتاد قِطَعٌ من خشب أو حديد غليظة الرأس , مدببة النهاية , تثبت بها أركان الخيمة في الأرض بدكها حتي يدفن أغلبها في الأرض , ويبقي أقلها ظاهرا فوق السطح , فتشد بذلك العمق أركان الخيمة إلي الأرض فتثبتها وتجعلها قادرة علي مقاومة فعل الرياح , والعواصف الهوجاء.) (إنتهى)
قلت: إن الله عز وجل شبه الجبال بالأوتاد للأرض فهي رواسي كالمسامير ملقاة في الأرض جزءٌ منها ظاهر منصوبٌ قائمٌ من فوق سطح الأرض ومعظمها غائر فيها لتمسك بيابستها وتثقلها وتمنع تحركها وميلانها واهتزازها كما قال علماء الجيلوجيا ومن نقل عنهم من المتكلمين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وسيأتي كلامهم إن شاء الله.
قال الألوسي في تفسيره روح المعاني لمحمود (30/ 6): (والجبال أوتادا أي كالأوتاد ففيه تشبيه بليغ أيضا والمراد أرسينا الأرض بالجبال كما يرسي البيت بالأوتاد) (إنتهى)
وقال القطان في تفسيره: (أوتادا: جمع وتد، والجبال كالأوتاد المغروزة في الارض تحفظ توازنها، وتمنعها من الاضطراب والميلان.) (إنتهى)
فائدة: ورد المعنى الذي في الآية في القرآن بكثرة وهذا سرد ما ورد على الترتيب:
1 - وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) سورة الرعد
2 - وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) سورة الحجر
3 - وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) سورة النحل
4 - وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) [الأنبياء: 31]
¥