تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

· وقد قدمت لك أن الآيات التي يستدلون بها على تحريم الغناء آيات مكية، كما في قولهم عن آية النجم، {وأنتم سامدون} وفي آية الإسراء {واستفزز من استطعت منهم بصوتك} وحتى آية الفرقان {والذين لا يشهدون الزور} كل ذلك مكي، مما يجعلك إن تحررت من التعلق بالآخرين تتأمل كيف يأتي تحريم الغناء في مكة ويهمل الحديث عنه في المدينة، فإن فعلت ثبت لك ما سأقوله في آخر هذا البحث القصير، وتبين لك معنى الآية بإشراق ووضوح.

· إنهم يتهموننا بالخلط وهم الذين يخلطون، فإنهم يقولون إن الله حرم الغناء في مكة لشدة خطره كما نقلت لك، ثم يستدلون عليك بحديث أبي مالك وهو في المدينة بلا شك، وهو في المعازف لا في الغناء، إلا إذا قالوا إنه لا معازف بلا غناء، ولا غناء بلا معازف، ولا أظن ذلك هو قولهم فقد قال الشيخ الطريفي: ولذلك يعلم أن ما يطلق من أقوال بعض الصحابة وأشعار العرب من ذكر الغناء، فالمراد به الأشعار، وما يسمى في زمننا بالأناشيد. والمراد من ذلك أنه ينبغي أن يفرق بين اصطلاح أهل العصر، واصطلاح الأوائل، وإن كان اللفظ واحدا. فهذا دال على أنه يريد التفريق بين الغناء والمعازف، فكيف حرم الغناء بمكة وترك تحريم المعازف إلى ما بعد الهجرة؟ والعلة واحدة، بل إن مقاله هذا يفهم منه أن الغناء المسمى بالأناشيد حلال، فلنا أن نسأل من أين له أنها حلال وهو يستدل بقول ابن مسعود وحلفه، فهل قول ابن مسعود (هو الغناء) باصطلاح أهل العصر أم باصطلاح الأوائل؟ فإن كان باصطلاح الأوائل فيلزمه أن يحرم الأناشيد والأشعار، وإن كان باصطلاح العصر فمن هو الذي لم يفرق بين الاصطلاحين!!!!

· ولأننا سنحتاج إلى ما يقنع القوم فإن طريقة السلف في التفسير أن يبينوا المعنى المراد، دون الكلام على كل لفظة. ذكر ذلك شيخ الإسلام في كتابه تفسير آيات أشكلت. (لاحظ أن ابن تيمية سيتكلم في هذا الكتاب عن تفسير آيات أشكلت على السلف} ويزيل غموضها، ثم لا يقرون لك بأن الإشكال قد يقع فيه حتى حبر الأمة وترجمان القرآن، رضي الله عنه.

فلنأخذ المعنى الجامع للآيات:

· إن السورة تتكلم في فاتحتها عن هذا القرآن، واقرأها من أولها ليستقيم لك المعنى إجمالا، وتذكر أني قلت لك إن السورة مكية، ثم لا يغب عن ذهنك أنها بعد الروم، وفي آخر آية من الروم يقول تبارك وتعالى {فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} ثم جاءت هذه السورة مفتتحة بـ {الم، تلك آيات الكتاب الحكيم. هدى ورحمة للمحسنين، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهم بالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم، وأولئك هم المفلحون} ومن تأمل السورة علم أنها تفننت في إثبات حكمة هذا الكتاب، وأن ما سواه من الأساطير والأحاديث ليست إلا ضلالا مبينا متى كانت للصد عنه، ولهذا ناسب أن يقول تلك آيات الكتاب الحكيم، ومن ثم قال {ولقد آتينا لقمان الحكمة} وقال {إن الله عزيز حكيم} ورد الخاتمة على ما افتتح به، فقال في الخاتمة {إن وعد الله حق، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور} حيث قال في بدايتها {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم، خالدين فيها، وعد الله حقا} وتنبه: وهو العزيز الحكيم، ولم يقل: إنه لا يخلف الميعاد مثلا، فالسورة تريد إثبات الحكمة، والعزة، والقدرة، وتحث في ثناياها على بر الوالدين وإقام الصلاة والأمر بالمعروف، وغير ذلك من خصال الخير مدمجة في وصايا لقمان (الحكيم) لابنه.

· ومن المفارقات أن يأتي في السورة، وليس في سورة أخرى قط الإشارة إلى الصوت البشع، {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} بعد الأمر بالغض من الصوت.

· فالسورة تتحدث عن فريقين، فريق أحسن فاتبع الحكمة، ولزمها، وسار عليها، فأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأمر بالمعروف وصبر على الطاعة، وتفكر في مخلوقات الله ونعمه، وعبد الله مخلصا له الدين في كل أوقاته وأحايينه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير