· يقابله فريق آخر اشترى لهو الحديث، وغرته الحياة الدنيا، وغره بالله الغرور، فلم يقف عند حكمة الله من خلقه، وإيجاده، ولم ينظر في نعم الله التي أسبغها عليه ظاهرة وباطنة، بل اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله ويتخذ آيات الله وسبيله هزوا، فإذا ذكر بالقرآن أعرض كأن لم يسمعه، وإذا نهي ووعظ وقيل لهم {اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا} وتأمل خاتمة الآية، فإنه لم يقل مثل ما قال في البقرة والمائدة {أولو كان آباؤهم لا يعقلون (لا يعلمون) شيئا ولا يهتدون} بل قال هنا {أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير}! فبينت الآيات أن النجاة في إسلام الوجه لله، وأن الكافر لا يجب أن يحزن النبي وأتباعه لكفره، فإن الموعد عند الله، وإليه المرجع والمعاد.
· إذا استوعبت المعنى إجمالا، ومناسبة الآيات وربطها مع بعضها البعض، تبين لك بوضوح مناسبة الآية المشكلة بيننا {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين، وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وقرا، فبشره بعذاب أليم} إنك إن تأملت السياق بحدود الحرية المتاحة لك سترى أن الكلام عن قوم يقابلون القوم الأولين، فالأولون هم المحسنون، والمقابل لهم هم الكافرون، وهو الذي جاء في نصوص السورة كلها، مقابلة بين فريق آمن وفريق كفر، ولا يمكن حمل الآية على المسلم أبدا كما نص على ذلك قتادة في التفسير.
· ونفس الفكرة تعرضها سورة البقرة في أوائلها، حديث عن المتقين، ثم حديث عن الكافرين.
· ثم لو أضفت إليها، كما هو المفترض فيمن يفسر القرآن أن ينظر في القرآن ليضم بعضه إلى بعض فإن ما أجمل هنا فصل هناك وهكذا، فإنك ستجد أن من أهم أسلحة الكافرين في بداية البعثة كان في الصد عن سماع القرآن، كما قال جل وعلا حاكيا عنهم {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} وفي قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي دليل على خوفهم من أن يسمع الناس كلام الله، فيحولون بينهم وبينه، بالأساطير والقصص المخترعة والأكاذيب والأشعار وما أشبه ذلك، ولهذا كان من أهم أسباب الهداية سماع القرآن، كما أخبر جل جلاله فقال {وإن أحد من االمشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}. سيتبين لك أن الآية تتكلم عن أناس همهم، وشغلهم، وهدفهم الصد عن القرآن وإشغال الناس عنه، حتى لا يسمعوه، ولا يعملوا به.
· فتعال لنرى أين الخلل في فهم الآية عند بعض الناس، وقبل أن نبدأ لك أن تسأل وهم يقولون: إن لهو الحديث هو الغناء، فقل لي بربك أين هذا المعنى في لغة العرب!!؟؟؟ وأين هو في أشعارها؟ فأين دليل ذلك من كتاب الله تعالى؟ أين دليله من سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم؟؟
· إنك لن تجد الحق تبارك وتعالى عبر عن الغناء بلهو الحديث أبدا، ولن تجد ذلك في سنته صلى الله عليه وسلم، ولن تجد ذلك في لغة العرب أبدا، ولا في أشعارها! نعم الغناء من اللهو، ولكن ليس معنى اللهو
الغناء!
· إذا كيف قال ابن مسعود إنه الغناء، وحلف على ذلك، إنه أمر بسيط جدا يعرفه كل من عرف طريقة السلف في تفسيرهم، فهم يفسرون بالمثال، كما ذكر شيخ الإسلام وغيره عنهم في أمثلة كثيرة، ليس هذا مقام بيانها.
· ولكي أثبت لك ذلك تعال معي في جولة من أقوال بعض المفسرين الذين خالفوا في معنى الآية، ولم يحصروه في الغناء كما يلتزم بذلك العلماء الذين يقولون بتحريم الغناء والمعازف استدلالا بحلف ابن مسعود رضي الله عنه.
· قال الرازي: لما بين أن القرآن كتاب حكيم، يشتمل على آيات حكمية، بين حال الكفار أنهم يتركون ذلك ويشتغلون بغيره، ثم إن فيه ما يبين سوء صنيعهم من وجوه
الأول: أن ترك الحكمة والاشتغال بحديث آخر قبيح
الثاني: هو أن الحديث إذا كان لهوا لا فائدة فيه كان أقبح
¥