بل وهناك وجه ثالث قوله تعالى- يشتري - فهو دال بنفسه على ذلك حيث أن الشراء والبيع في لغة العرب يقع عليه بحسبه لأنهم كانوا يشترون الجواري المغنيات والقينات ليصدوا به الناس عن القرآن وليهلوا به لأنفسهم.
وهذي جملة نصوص تؤكد ذلك:
حدثنا إسرائيل عن سِماكٍ عن مَعْبَدِ بنِ قيس عن عبدالله بن عميرٍ أو عُمسرةَ قال حدَّثني زَوْجُ ابْنَةِ أبي لهبٍ قالَ دَخَلَ عَلَيْنَا رسول الله صلى الله عليهِ وسلم حين تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ أبي لهبٍ فقال: هَلْ مِنْ لَهْوٍ*مسند الامام أحمد
4765 حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا محمد بن سابق حدثنا اسرائيل عن هشام بنِ عروةَ عن أبيهِ عن عائشةَ أنّها زَفّتِ امْرأَةً إلى رجلٍ من الأنصار فقال نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يا عائشةَ ما كانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فإنَّ الأنصارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ*رواه البخاري
1885 حدثنا نصر بنُ عليٍّ الجهمي والخليل بن عمرو قالا حدثنا عيسى بن يونس عن خالد بن إلياس عن ربيعة ابنِ عبدالرحمن عن القاسم عن عائشةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بِالْغِرْبَالِ* سنن ابن ماجة.
وجاء في أسباب النزول
أخرج جويبر عن ابن عباس قال نزلت في النصر بن الحرث اشترى قينة وكان لا يسمع بأيريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقول أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك اليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه فنزلت.
2 - هناك آية أخرى تدل على نفس الحكم في هذه المسألة:
وقال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" (سورة الإسراء:64)
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثير والطبري عن مجاهد. وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو .. وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".
و قال الله عز وجل: "وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا" (الفرقان: 72).
وقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما جاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا الغناء، وجاء عند القرطبي والطبري عن مجاهد في قوله تعالى: "والذين لا يشهدون الزور" قال: لا يسمعون الغناء. وجاء عن الطبري في تفسيره: "قال أبو جعفر: وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه، أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه" (تفسير الطبري).
وفي قوله عز وجل: "و إذا مروا باللغو مروا كراما" قال الإمام الطبري في تفسيره: "وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء".
3 - أن الصحابة رضي الله عنهم هم من أصول العرب وفحولها ولا ريب فكونهم بفسرون ويقعون - لهو الحديث - على الغناء فهذا أولى وأسلم وأسد في طرق الاستدلال لوجوه:
- أنهم أصول العرب والبيان.
- أنهم أعلم بالتنزيل من غيرهم إلى يوم القيامة.
- أن الله زكاهم وعدلهم.
- أن المتكلمين منهم في تحريم الغناء. هم من أعلم الناس بالقرآن ومعانيه من أمثال عبد الله بن مسعود وابن عباس.
4 - أن أصل الكلام - أن الغناء - داخل بالجملة في لهو الحديث - فإخراج الغناء على التحديد من جملة لهوا الحديث هو الخطأ فهذا هو الذي يحتاج إلى دليل صحيح يؤكده ويعضده.
لأن الأصل في الكلام العموم إلا ما جاء الدليل على تخصيصه: فلهو الحديث كل ما شغل وألهى عن ذكر الله وصد عنه من الغناء واللعب والغيبة وفضول الكلام.
فإخراج الغناء من مفهوم اللغو هو الذي في حاجة إلى استدلال لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ..
قال القاسم بن محمد رحمه الله: الغناء باطل، والباطل في النار.
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو –أى غناء و لعب-، فلا دعوة لهم (الجامع للقيرواني).
¥