تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وحين صدر الكتاب، اُستقبل استقبالاً حارًّا من صفوة الرجال والعلماء المسلمين بصورة أوفر وأعمق مما استُقبل به الجزء الأول، ولكن فريقًا صغيرًا من المنكرين، على قلّتهم، كانوا يتهامسون فيما بينهم بسوء، فزعًا من أن يُضعف صفوفهم، ويُعيد إلى حظيرة الإيمان عددًا منهم، الأمر الذي دعا سعد زغلول باشا زعيم مصر وكبير ساستها في العصر الحديث إلى أن يكتب تقريظًا دافئًا للكتاب، ومن العلماء الأجلاء الذين بهرهم كتاب إعجاز القرآن وأصر على أن يكتب مقدمة له الشيخ محمد رشيد رضا، استهلها بقول الله عز وجل: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى? أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـ?ذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» (الإسراء:88).

هذا، ولم يقف الإعجاب بكتاب إعجاز القرآن عند المسلمين وحدهم، بل إن كثيرًا من علماء النصارى سطروا ذلك في كتبهم ومقالاتهم، وفي مصر يطلع الدكتور يعقوب صروف صاحب مجلة المقتطف على كتاب إعجاز القرآن فيقول: يجب على كل مسلم عنده نسخة من القرآن أن تكون عنده نسخة من هذا الكتاب. ومن الأدباء غير المسلمين الذين أشادوا بكتاب إعجاز القرآن الشيخ نصيف اليازجي والشاعر خليل مطران شاعر القطرين.

معارك الرافعي الأدبية والفكرية

ويرى الدكتور الشكعة أن الرافعي لم يكن عدوانيًا بطبعه، ولا متجاوزًا حدود المألوف بقلمه، إلا في حالتين اثنتين: إذا ما اعتدى صاحب قلم على الإسلام عقيدةً ورسالةً وقرآنًا، أو تعرض كاتب للغة الفصحى وما يتصل بها من أدب أو تراث بتجريح أو تزييف، وفيما عدا ذلك كان الرجل رقيق الحاشية وضيء الطلعة مهذب القلم في نطاق من سعة الاطلاع وعمق الفكر ورصانة الأسلوب ووفرة التحصيل.

أما معركة الرافعي الحقيقية في الدفاع عن الإسلام فقد كانت مع طه حسين؛ حيث إن طه حسين في نظر الرافعي أعلن تنكره ورفضه لبعض ما جاء به القرآن جهارًا نهارًا؛ فيما ألقاه في الجامعة من محاضرات.

ويعود تاريخ الخصومة بين الرافعي وطه حسين إلى مرحلة مبكرة من حياة الاثنين، كان دافعها التنافس على نيل المكانة الأدبية الكبيرة لدى الجمهور، حيث كان طه حسين لا يزال آنذاك طالبًا في الجامعة؛ بينما كان نجم الرافعي قد تألق في سماء الشعر وعالم البيان العربي، فقد تعقب الطالب طه حسين كتب الرافعي واحدًا بعد الآخر بالهجوم، مدعيًا بأنه لم يفهمها، ولكن بعد أن عاد طه حسين من فرنسا دكتورًا وأصبح أستاذًا للأدب الجاهلي في كلية الآداب بالجامعة، وأخرج للناس سنة 1926 م محاضراته في كتاب يحمل عنوانًا في الشعر الجاهلي والذي كان أخطر ما فيه إنكار طه حسين لقصة إبراهيم وإسماعيل –عليهما السلام- في قوله: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن وُرود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي.

هنا غضب الرافعي من هذه الوقاحة كما سمَّاها، ومن هذا التطاول على كتاب الله؛ ووقف الرافعي ولم يقعد حتى استنهض الهمم واستنفر الأمة كلها للدفاع عن قرآنها، وتحولت المعركة بينه وبين طه حسين من معركة بين القديم والجديد، أو على الأصح بين الأصيل والدخيل في الأدب، إلى معركة في الدفاع عن عقيدة الأمة وحمايتها ممن يشكك فيها، وتجاوزت حدود الصحف إلى قاعة البرلمان وساحة القضاء، صرخ الرافعي مستنكرًا كيف يُرَخِّصُ طه حسين لنفسه أن يتجرد عن دينه ليحقق مسألة من مسائل العلم، أو يناقش رأيًا في الأدب أو التاريخ، إذ لم يسبق رجال الأدب في جعل حقيقة من حقائق القرآن موضع التكذيب أو الشك؟!!.

ولم يُقْعِد الرافعيَّ من وقفته تلك إلا أن تنادت الأمة كلها من الأزهر والعلماء والهيئات والنقابات والجامعة ورجال الشارع للدعوة إلى محاكمة طه حسين وطرده من الجامعة، وزلزلت الأرض من تحت أقدام أنصاره في الحكومة، فوصل إلى النيابة وكتب بيانًا أُذيع على النَّاس يعلن فيه احترامه للإسلام وإيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وصودر الكتاب وأُعدمت نسخُه وأصدره طه حسين فيما بعد بعنوان الأدب الجاهلي بعد أن حذف كل ما فيه من طعن في القرآن والإسلام، ثم جمع الرافعي مقالات هذه المعركة وأصدرها في كتاب "تحت راية القرآن"، فيه فنَّدَ آراء طه حسين رأيًا رأيًا فيما لا يتفق مع العقيدة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير