تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الإسلامية ونسخها بالحجة والبرهان، وإثبات تأثر طه حسين بآراء المستشرقين التي افتُتن بها، وحاول أن يفتن بها طلاب الجامعة.

ومن معارك الرافعي الأخرى ما جرى بينه وبين العقاد الذي كان صديقًا له، دائم الثناء على كتبه ومقالاته، وبخاصة كتابه "المساكين"، ولكن العقاد تفوه بكلمات جارحة حين كتب الرافعي كتابه إعجاز القرآن، وكان العقاد آنذاك لم يطرق بعدُ بابَ العقيدة الإسلامية، فقسا الرافعي عليه بعدد من المقالات الحادة ونشرها بعد ذلك في كتابه المشهور "على السّفود".

ومن الطريف في هذا الصدد أن يكون العقاد بعد الرافعي هو حامل الراية في حقل الدفاع عن الإسلام وإصداره عشرات الكتب الإسلامية، ولعل من معارك الرافعي التي كانت من الخطورة بحيث لا يصح إغفالُها، معركتَه ضد أنصار العامية الذين كان على رأسهم أحمد لطفي السيد، الذي كان يلقب بأستاذ الجيل، فقد كان يدعو إلى استعمال اللهجة العامية المصرية تحت شعار أسماء تمصير اللغة، فانبرى له الرافعي ودحض هذه الدعوة بمقالاته الناقدة النافذة، مما اضطره أن يتحول عن فكرة استعمال العامية إلى فكرة أخرى يظن أنها أقرب إلى القبول؛ فدعا إلى ما سماه المصالحة بين العامية والفصحى، ولكن الرافعي ظل يلاحقه بمقالاته التي حملته على الرجوع عن فكرته، ثم يصير بعد ذلك أحد سدنة اللغة الفصيحة حين صار رئيسًا لمجمع اللغة العربية في مصر.

وحول منهج الرافعي يذكر الدكتور الشكعة أن أهم أسسه الحفاظ على اللغة العربية والحرص على نقاء أسلوبها وبهاء بلاغتها، بحيث صار يلقب بصاحب الجملة القرآنية، لأصالة بنية جملته، واستقامة ألفاظها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى براعة اختيار موضوعات مقاله، يتبدى ذلك بوضوح ساطع عند من ينشط لقراءة مقالاته التي ضمنها كتابه "وحي القلم"، فهو يكتب في السياسة والإصلاح الاجتماعي، والتيار الوطني، والنقد الأدبي، وتمجيد المحسنين من شعراء العربية، قدامى ومعاصرين، والسيرة النبوية، والسلوك الإسلامي والإشراق الإلهي، وسحر الطبيعة التي أبدعها خالق الكون جل وعلا.

أيضًا يُعد الرافعي أبا المقالة الإسلامية ورائدها، والمدافع عن القرآن وأركان الإسلام عقيدة وشريعة، ويعتبر العدوان على اللغة العربية عدوانًا على الإسلام، ويعُد الدفاع عنها دفاعًا عن الإسلام، لأنها لغة القرآن، كتاب الله ووحي السماء الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فنرى الرافعي يكتب عن الإسراء والمعراج كمعجزة إلهية خص الله بها محمدًا دون غيره من الأنبياء والمرسلين، ويكتب عن الهجرة ومولد الرسول وعن الدعوات التي يخاصمها الإسلام مثل دعوة ارتداء القبعة، وانصياع مصطفى كمال لكيد اليهود المتتركين وإسقاط الخلافة العثمانية والقضاء على صلة تركيا بالعالم الإسلامي.

ويرى الدكتور الشكعة أن معايشة الرافعي للقرآن الكريم حفظًا وتجويدًا وتفسيرًا وفقهًا شكّلت معالم في حياته، مما يجعلنا نُطلق عليها المعالم القرآنية، وهذه يمكن استبيانها من كتابه إعجاز القرآن على النحو التالي:-

المعْلَم الأول (بسكون العين وفتح اللام) ما سجله في طول كتابه إعجاز القرآن وما عرضه من براهين علمية وعملية وتاريخية ومنطقية عن عجز العرب – أمة البلاغة والفصاحة والمحاجة – عن أن يأتوا بسورة من مثله. وهو موضوع موصول الأسباب بالزمان منذ أن نزل الوحي به على خاتم الأنبياء سيد الخلق سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، إلى زماننا هذا الذي نعيشه بالعقل والإقناع والإيمان.

وأما المعْلَم الثاني فهو ظاهرة ما أطلق عليه خصوم الإسلام بالتَّكرار، يستوي في ذلك خصوم الإسلام القدامى الذين اهتدى بعضهم، وخصوم الإسلام المعاصرين، وبخاصة أولئك الذين يطلق عليهم صفة المستشرقين.

والأمر الذي يدعو إلى الغرابة أن يصدر هذا التحامل من قوم أعاجم، وإن تيسر لبعضهم الإسهام الجاد في بعض علوم العربية، في الوقت الذي شاب أحكامًا صدرت عن أكثرهم الجهلُ حينًا والحقُ حينًا آخر، والغش والمغالطة حينًا ثالثًا، ومن المؤسف أن قلة من أبناء قومنا نسجت على منوال هؤلاء الأعجام الغرباء عن لغتنا واجترؤوا على القرآن الكريم بغير ما رَوِيَّةٍ في الحكم أو عُمق في التفكير، فكان من النتائج الطبيعية أن يؤدي بهم هذا الشذوذ إلى الانحراف والضلال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير