ومن هنا رأينا أن الله -سبحانه- جعل اتخاذ قرار يتعلق بصبي رضيع لا يملكه فرد واحد، وإن كان أقرب الناس إليه، وهو والده أو والدته، وجعل رفع الجناح مشروطا بالتشاور والتراضي بين الوالدين، (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) ([16] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn16)) [ سورة البقرة، الآية: 233].
* فإذا كان هذا ما يتعلق بصبي رضيع، فكيف بما يتعلق بشئون الأمة وأحوالها، أيجوز أن ينفرد به أي فرد من المسلمين؟
5 - تنسيق الجهود وتجميعها، والإفادة من الطاقات وعدم تبديدها، والقضاء على الازدواجية والتداخل. وهذا أمر واضح وبيّن، ولذلك قال -سبحانه-: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ([17] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn17)) [ سورة الأنفال، الآية: 46] فالشورى وسيلة للاجتماع، واستثمار الطاقات، وباب من أبواب التعاون على البر والتقوى، الذي أمر الله به: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ([18] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn18)) [ سورة المائدة، الآية: 2].
* قال سيد قطب -يرحمه الله- في تفسيره لقوله- تعالى-: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ([19] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn19)) [ سورة الشورى، الآية: 38] ومع أن هذه الآيات مكية، نزلت قبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة، فإننا نجد فيها أن من صفة هذه الجماعة المسلمة: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ([20] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn20)) مما يوحي بأن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن تكون نظاما سياسيا للدولة، فهو طابع أساسي للجماعة كلها، يقوم عليه أمرها كجماعة ([21] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn21)).
6- التدريب والإعداد، واكتشاف المواهب والطاقات:
أخرج البيهقي أن عمر رضي الله عنه كان إذا نزل الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يقتفي حدة عقولهم ([22] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn22)).
* وقال سعد بن أبي وقاص: "إذا أهم الأمر عمر بن الخطاب دعا ابن عباس وقال له: غص غواص" ([23] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn23)).
* قال الأستاذ عدنان النحوي:
فمن خلال مداولة الرأي وبيان الحجة، يبرز مستوى الإيمان والعلم، وتتمايز المواهب والقدرات، وتعرف المعادن والرجال، فالشورى محك، يكاد يكشف أطراف النية، ومنثور الموهبة، وحدود الطاقة. وقال: ولقد تدرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدريبا واسعا من خلال الممارسة، والصحبة على هذه الأمور، في مجالس الشورى، فلما أصبح الأمر في أيديهم سهل عليهم الأمر، ومدرسة الشورى من أعظم مدارس الإسلام عطاء في التدريب، والإعداد، والتربية والبناء ([24] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn24)).
7- الشورى غنهما لك وغرمها على غيرك
* قال ابن الجوزي: "ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح في أمره، علم أن امتناع النجاح محض قدر فلم يلم نفسه" ([25] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn25)).
فإذا بذل الإنسان وسعه وطاقته في تحري الصواب فلم يوفق له، فقد اجتهد، وهو مأجور -إن شاء الله-، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وإن وفق للأمر بعد اجتهاده -والشورى من وسائل الاجتهاد- فله أجران، فإذا هو غانم غير غارم على أي حال. ولذلك قال الشاعر ([26] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn26))
إن المشاور إما صائب غرضا
أو مخطئ غير منسوب إلى الخطل
* وقال الآخر: ([27] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn27))
وأكثر من الشورى فإنك إن تصب
تجد مادحا أو تخطئ الرأي تعذر
ومن غنم الاستشارة نضوج الرأي واستوائه فقد قيل: "من شاور الرجال شاركهم في عقولهم".
وهو يؤدي إلى أصالة الرأي، وهو من النضج والاستواء، وذلك عاصم -بإذن الله- من الوقوع في الخطأ، والتصرف غير المحمود، قال الشاعر: ([28] ( http://www.tafsir.net/vb/t20667.html#_ftn28))
أصالة الرأي صانتني عن الخطل
وحلية الفضل زانتني لدى العطل
¥