أولستم تقرؤون سورة المطففين؟ بدأت بالحديث عن الانحراف الاقتصادي - الفردي منه والعالمي الشخصي والمؤسسي - وانتهت بالانحراف الاجتماعي - الفردي والعالمي الشخصي والمؤسسي - في السخرية بالله ورسوله وآياته والمؤمنين وتقطيع أواصر المودة بين المسلمين عبر جهود فردية وإعلامية عالمية ومؤتمرات دولية وصحف أممية وأقليمية وبرامج فكرية (راندوية) يسعى إلى تنفيذها (السدنة الأبرار) علموا أم لم يعلموا .. وكانت المعالجة التربوية القرآنية بما ورد بين الانحرافين من الآيات الكريمات اللواتي تضمنتها السورة، وهي الآيات الواردة بين قوله تعالى: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين * وقوله تعالى:" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " وإذا تأملت بقية الآيات الورادة بين الانحرافين وجدتها تصف اليوم الآخر وما يجري فيه للمؤمنين والكافرين والمنافقين.
أولستم تقرأون سورة العلق وتقفون على معالمها العامة المتمثلة في الأمر بالقراءة النظرية والتطبيقية ومواجهة الطغيان والثبات على المبادىء، فلماذا ورد في وسطها قوله تعالى:" إن إلى ربك الرجعى "؟؟!!
إنه التوافق العجيب في هذه الآيات الذي يؤكد على أن التزام المسلم مُثُله العليا وقيمه الكبرى وأن معالجة الانحرافات السلوكية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها إنما يتم عن طريق استهداف القلب وتذكيره بالآخرة والمثول فيها بين يدي أحكم الحاكمين، تأملوها في السور الثلاث - آل عمران والمطففين والعلق - " ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ... ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ... إن إلى ربك الرجعى " لتعلموا أن الذين يُخرجون الوعظ عن العمل الثقافي والتربوي قوم ليس لهم في الصنعة التربوية ورد ولا صدر، وليس لهم بها علاقة لا من قبيل ولا دبير.
وليت الأمر وقف عند هذا لهان علي ما ألقى ولكن!! إنهم تجاوزوا الحد فجعلوا هذا المنهج القرآني في تحريك القلب - سعيا لضبط السلوك - عملاً هشاً ولغة إنشائية ومنهجية عاطفية وأسلوباً ساذجاً وطريقة باردة جامدة مدغدغة للعواطف ليس إلا .. وهم – كما يزعمون - أهل لغة علمية كمية كيفية عقلية إحصائية.
لكن الذي يحسم الأمر أننا حين نستقرىء النصوص الشرعية المحكمة – وبلغة علمية قرآنية كمية وكيفية - نجد أن الوعظ بالآخرة أحد متطلبات السلوك السوي .. وأن من ابتغى تغيير السلوك وتصحيح الانحراف في حيدة عنه وغفلة منه إنما هو مبتغ في الماء جذوة نار .. والغريب العجيب أن الذي يفعل ذلك يطمس من عقله واقع الأنظمة البشرية والقوانين الوضعية في العالم التي ابتكرت من برامج الترغيب والترهيب ما تحاول به ضبط سلوك الناس فلم تحقق من الإنجاز ما يكافىء جهودها الضخمة جدا في المكافحة، حتى بلغ بها الأمر حد استخدام الأقمار الصناعية لمكافحة الجريمة ومع ذلك فالجريمة في تنامي مستمر وخطير باتت تنطق بمعدلاتها المتنامية مراكز البحث العلمي ودوائر المعارف العالمية ..
وفي الختام .. تعالوا نعلنها بكل شجاعة أدبية ولغة موضوعية ولنعترف بأن إشغال الناس بالمتشابهات وإغفال المحكمات ضرر محض وشر مستطير، خاصة حين يتبرع الإعلام فيفتح لها منابره المختلفة ويغلق دون تفنيدها أقلام الناصحين – وسيكون ضحية ذلك على المدى القريب والبعيد الفردَ والأسرةَ والمجتمعَ والأمةَ .. تعالوا نعترف بأن الوعظ بالآخرة – كأحد متطلبات السلوك السوي للفرد والمجتمع - سبيلٌ لصناعة الإنسان قبل صناعة الأوطان .. غير أن صرعى المتشابهات أعداء ما جهلوا أو تجاهلوا .. وهذا كتابنا ينطق عليهم بالحق .. والله يستنسخ ما كانوا يعملون.
د. خليل بن عبدالله الحدري
المصدر: لجينيات ( http://www.lojainiat.com/index.cfm?do=cms.con&contentid=42688) .
ـ[خلوصي]ــــــــ[13 Jul 2010, 03:44 ص]ـ
لله درّه من مقال دقيق التشخيص محكم المعالجة!
بارك الله فيك يا أبا سعد.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[13 Jul 2010, 06:38 ص]ـ
وأعجبني كذلك، جزاك الله خيراً على نقله لنا.
وجزى الله الأخ الكريم الدكتور خليل الحدري خيراً فقد أحسن التنزيل.