قال أبو عمرو بن عبدالبر: مجاهد وإن كان أحد الائمة يتأول القرآن فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم: أحدهما هذا والثانى في تأويل قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " قال: تنتظر الثواب، ليس من النظر اهـ.
قلت – أي القرطبي -: ذكر هذا في باب ابن شهاب في حديث التنزيل.
وروى عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: يجلسه على العرش.
وهذا تأويل غير مستحيل، لان الله تعالى كان قبل خلقه الاشياء كلها والعرش قائما بذاته، ثم خلق الاشياء من غير حاجة إليها، بل إظهارا لقدرته وحكمته، وليعرف وجوده وتوحيده وكمال قدرته وعلمه بكل أفعاله المحكمة، وخلق لنفسه عرشا استوى عليه كما شاء من غير أن صار له مماسا، أو كان العرش له مكانا.
قيل: هو الآن على الصفة التى كان عليها من قبل أن يخلق المكان والزمان، فعلى هذا القول سواء في الجواز أقعد محمد على العرش أو على الارض، لان استواء الله تعالى على العرش ليس بمعنى الانتقال والزوال وتحويل الاحوال من القيام والقعود والحال التى تشغل العرش، بل هو مستو على عرشه كما أخبر عن نفسه بلا كيف.
وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه.
وأما قوله في الاخبار: " معه " فهو بمنزلة قوله: " إن الذين عند ربك "، و " رب ابن لى عندك بيتا في الجنة ".
" وإن الله لمع المحسنين " ونحو ذلك.
كل ذلك عائد إلى الرتبة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة، لا إلى المكان أهـ.
وقال الواحدي: هذا القول مروي عن ابن عباس وهو قول رذل موحش فظيع لا يصح مثله عن ابن عباس، ونص الكتاب ينادي بفساده من وجوه.
الأول: أن البعث ضد الإجلاس بعثت التارك وبعث الله الميت أقامه من قبره، فتفسير البعث بالإجلاس تفسير الضد بالضد.
الثاني: لو كان جالساً تعالى على العرش لكان محدوداً متناهياً فكان يكون محدثاً.
الثالث: أنه قال {مَقَامًا} ولم يقل مقعداً {مَّحْمُودًا}، والمقام موضع القيام لا موضع القعود.
الرابع: أن الحمقى والجهال يقولون إن أهل الجنة يجلسون كلهم معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية فلا مزية له بإجلاسه معه.
الخامس: أنه إذا قيل بعث السلطان فلاناً لا يفهم منه أجلسه مع نفسه انتهى باختصار أبي حيان (البحر المحيط 6/ 52).
ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[13 Jul 2010, 06:51 م]ـ
وفي تفسير ابن جرير لهذه الآية من الفوائد ما يلي:
اولا-أن التهجد لا يكون إلا بعد نوم ورقدة، لأن الهجود في الأصل هو النوم، واستدل على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وبأقوال السلف.
ثانيا-ان التهجد على النبي صلى الله عليه وسلم فريضة وللأمة نافلة، وروى عن مجاهد: قال: النافلة للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة من أجل أنه قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخَّر، فما عمل من عمل سوى المكتوبة، فهو نافلة من أجل أنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب، فهي نوافل وزيادة، والناس يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها، فليست للناس نوافل.
ثم قال: وأولى القولين بالصواب في ذلك، القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله تعالى قد خصه بما فرض عليه من قيام الليل، دون سائر أمته، فأما ما ذكر عن مجاهد في ذلك، فقول لا معنى له، لأن رسول الله فيما ذُكِر عنه أكثر ما كان استغفارا لذنوبه بعد نزول قول الله عزّ وجلّ عليه (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) وذلك أن هذه السورة أنزلت عليه بعد مُنْصَرَفه من الحديبية، وأنزل عليه (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) عام قبض. وقيل له فيها (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) فكان يُعدُّ له صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد استغفار مائة مرّة ومعلوم أن الله لم يأمره أن يستغفر إلا لما يغفر له باستغفاره ذلك، فبين إذن وجه فساد ما قاله مجاهد.
ثالثا-تعليل معنى قول أهل العلم عسى من الله واجبة، وقال:
وإنما وجه قول أهل العلم: عسى من الله واجبة، لعلم المؤمنين أن الله لا يدع أن يفعل بعباده ما أطمعهم فيه من الجزاء على أعمالهم والعوض على طاعتهم إياه ليس من صفته الغرور، ولا شكّ أنه قد أطمع من قال ذلك له في نفعه، إذا هو تعاهده ولزمه، فإن لزم المقول له ذلك وتعاهده ثم لم ينفعه، ولا سبب يحول بينه وبين نفعه إياه مع الأطماع الذي تقدم منه لصاحبه على تعاهده إياه ولزومه، فإنه لصاحبه غارّ بما كان من إخلافه إياه فيما كان أطمعه فيه بقوله الذي قال له. وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير جائز أن يكون جلّ ثناؤه من صفته الغرور لعباده صحّ ووجب أن كلّ ما أطمعهم فيه من طمع على طاعته، أو على فعل من الأفعال، أو أمر أو نهى أمرهم به، أو نهاهم عنه، فإنه موف لهم به، وإنهم منه كالعدة التي لا يخلف الوفاء بها، قالوا: عسى ولعلّ من الله واجبة.
وهذا نصيب ابن جرير مني هذا اليوم، ولعلي اعود إليه قريبا، فالعود إليه أحمد ...
ولابن أبي داود حديث يأتي إن شاء الله ..
¥