ـ[أحمد بن فارس السلوم]ــــــــ[19 Jul 2010, 03:47 م]ـ
اخي الكريم الدكتور عبدالرحمن الشهري وفقه الله ...
ارجو ان تكون بصحة وعافية ..
وأن تكون هديتي إليك (دلائل النبوة للحافظ المستغفري) قد وصلتك.
ورحم الله ابن جرير لقد مضى مقلا من الدنيا، عازفا عن ملذاتها، مقبلا على العلم والتعلم، والنصح لله وكتابه ورسوله ..
وهو أحد أربعة حفاظ من أهل قرنه من أربعي الحافظ أبي الحسن، الذين ذكرهم طبقة بعد طبقة ..
اولا: لا يخفى على شريف علمكم أن الطبري رحمه الله كوفي المذهب، لكنه لا يتعصب لمذهبه، بل يذكر المذهبين مع حججها، ويرجح بإنصاف على نحو ما يفعل في مسائل الفقه والتفسير والقراءة .. فهو مجتهد مطلق في كل العلوم التي تصدى لها ..
نعم، قد يستخدم مصطلحات الكوفيين كأن يقول أجرت العرب هذا الحرف وما أجرت هذا ونحو ذلك، يريد ما ينصرف ومالا يصرف .. الخ.
ثانيا: ألحظ في تفسيره غالبا يجد أنه لا يذكر شيوخه إلا في رواية، يعني في إسناد، وغالب النحو الذي يذكره لا يضيفه لأحد بل يصوغه بعبارته، لأنه نحو عام يشترك فيه أهل الكوفة كلهم، والطبري موصوف بحسن العبارة، وجودة الصياغة.
وكذلك يذكر نحو البصرة دون أن ينسبه إلى شيخ واحد منهم، حتى حينما يذكر الأقوال الشاذة المشهورة بأصحابها فإنه يذكرها دون نسبة، وانظر لذلك تفسيره لقول الله عز وجل (ولات حين مناص) كيف ذكر قول أبي عبيد القاسم بن سلام - وهو كوفي المذهب- دون أن يسميه ثم ذكر حجته من كتابه
ثم رد عليه، وربما هذا يسجل في ورع هذا الشيخ وتوقيه، وفي منهجيته في التفسير، والشي نفسه ألحظه جليا في كتابه العجاب تهذيب الآثار، مع أنه يشرح في التهذيب لغة الحديث ويبين نحوه في فصل يعقده بعد كل رواية، ومع ذلك فإنه لا يسمي أحدا.
ثالثا: لا شك أن ابن جرير استفاد من ثعلب وغيره من شيوخه، لكن عدم ذكره ليس لأجل المحنة المذكورة قطعا، وهناك أدلة:
منها: أنه لم يذكر ثعلبا ولا غيره من الشيوخ في كتابه الا ما ندر ... فهل يقال فيهم كما قيل في ثعلب!
ومنها: أن ثعلبا ليس من كبار شيوخ ابن جرير .. ولا لازمه ابن جرير طويلا .. ولا أبعد إن زعمت أنه كان لابن جرير شيخ كتاب فحسب .. ، وهو يكبر ابن جرير بنحو 24 سنة تقريبا ..
ومنها: أن ابن جرير ألف كتابه (التفسير) في حياة ثعلب، ثم أملاه سنة 83 إلى سنة 90 يعني قبل وفاة ثعلب، وابن جرير تعرض للمحنة آخر أيام حياته سنة 310.
فإنه من المحنة ما استطاعوا اظهار جنازته للعامة فدفنوه في رحبة بيته.
ومعلوم أن المحنة لم تدم طويلا أبدا بل إن بعضهم ضرب صفحا عنها كأنه يشكك بها، أعني الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، تماما كما ضرب صفحا عن محنة الإمام أحمد فلم يذكرها.
ثم - سيدي الكريم - بين تأليفه للتفسير ووفاته 30سنة، وقد تغير اجتهاده في المسألة ففي التفسير مع اعترافه بخطأ هذا التأويل إلا أنه لم يمنعه، وفي آخر حياته أنشد:
سبحان من ليس له أنيس ولا على كرسيه جليس،
فقد عد هذا القول مخالفا للتنزيه ولذلك ابتدأ بالتنزيه فقال: سبحان ...
اليس كذلك؟!
اخيرا: حنبلية ثعلب ليست حنبلية مذهب، ومن أين لنا أن نثبت ذلك، ألمجرد كونه دخل على الإمام أحمد مرة فأنشده الإمام أبياتا من الشعر!! يعد حنبليا، وهل كان المذهب قد تبلور في مذهب آنذاك.
بل لو قلت إن ابن جرير أحق وأعلم بالإمام أحمد من ثعلب لما أبعدت ..
وشكر الله لك أخي الكريم عبدالرحمن وبارك فيك.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Jul 2010, 05:00 ص]ـ
أخي العزيز الدكتور أحمد السلوم وفقه الله: أشكرك على هذه الإجابة العلمية الموفقة، وأشكرك على هديتك التي وصلتني في حينها، ولم أجد سبيلاً لشكرك لعدم تلقي أي ردٍّ من قبلُ على رسائلي التي أرسلها إليك عبر الهاتف الجوال أو البريد فتيقنت أَنَّني أُرسلُ لرقمٍ خاطئٍ أو بريدٍ خاطئ، فجزاك الله خيراً وتقبَّل منك.
وأمَّا ما تفضلتم به من الجواب فقد أحسنتم تصوير الموضوع لي، ولم أكن تتبعته من قبلُ بِهذه الصورة، وإنَّما أخذتُ كلام صاحبي عن حنبليَّة ثعلبٍ دون مراجعةٍ قبل أيامٍ، وكلامك وجيه.
وأما تتلمذ الطبري على ثعلب فقد ذكر أهل التراجم مثل ياقوت الحموي في معجم الأدباء (6/ 2451 - 2452) هذه العبارة في ترجمة ابن جرير الطبري:
(وقال أبو عمر محمد بن عبدالواحد الزاهد: سَمعتُ ثعلباً يقول: قرأ عليَّ أبو جعفر الطبري شعرَ الشعراءِ قبل أن يكثرَ الناس عندي بِمدةٍ طويلةٍ. وقال أبو بكر بن المُجاهد، قال أبو العباس - أي ثعلب - يوماً: من بقي عندكم - يعني في الجانب الشرقي ببغداد - من النحويين؟ فقلتُ: ما بقي أحدٌ، مات الشيوخ. فقال: حتى خلا جانبكم؟ قلتُ: نعم إلا أن يكون الطبري الفقيه، فقال لي: ابن جرير؟ قلتُ: نعم. قال: ذاك من حذاق الكوفيين. قال أبو بكر: وهذا من أبي العباس كثيرٌ، لأنه كان شديد النفس شرس الأخلاق، وكان قليل الشهادة لأحد بالحذق في علمه)
ففهمتُ من هذه العبارات - ولا سيما كلام غلام ثعلب الزاهد - أن الطبري قد لازم ثعلباً في أول طلبه للعلم قبل ازدحام الطلاب على ثعلب نفسهِ بِمدةٍ طويلةٍ، وقرأَ عليه شعرَ الشعراء، وهذا - في نظري - لا يعني الاقتصار على قراءة الأشعار فحسبُ، وإِنَّما يعني الملازمة وفهم تلك الأشعار، ومعرفة غريبها، وقد يكون سبق ذلك دراسة للنحو على ثعلب والله أعلم فليس مجرد تلمذة كتاب كما يبدو.
وأما إغفال الطبري لذكر شيوخه ما لم يرد ذلك في الأسانيد فهذا واضح في كتابه كما تفضلتم رحمه الله وغفر له.
¥